باب القول في الشهادات
  وروي عن أنس قال: ما أعلم أحداً رد شهادة العبد. والأظهر أنه رأي أكثر أهل(١) البيت. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أنها لا تجوز.
  ويدل على ما قلنا: قول الله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٞ وَامْرَأَتَٰنِ}[البقرة: ٢٨١]، وقال تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَےْ عَدْلٖ مِّنكُمْ}[الطلاق: ٢]، فلم يخص حراً من عبد، فمن ثبتت عدالته جازت شهادته. وهو قياس على الحر، بعلة أنه مسلم عدل، أو يقال: هو ممن يجوز قبول أخبار الدين منه، فيجب أن يكون من أهل الشهادة؛ دليله الحر، ألا ترى أن الفاسق لما لم يجز قبول خبره في الدين لم يكن من أهل الشهادة؟ ولا يلزم عليه الذمي؛ لأنه وجود الحكم(٢) ولا علة(٣)، وذلك لا يكون نقضاً.
  فإن قيل: إن الشهادة من صفتها أن يلزم الضمان بالرجوع، فكما لم يكن العبد ممن يضمن لم يكن من أهل الشهادة.
  قيل له: في ضمان الراجع عن يحيى بن الحسين # روايتان:
  إحدى الروايتين: أن الحكم ينقض به ولا يلزم الضمان، فعلى هذه الرواية السؤال ساقط.
  والجواب على الرواية الأخرى: أن الضمان يلزم ولا يطالب به ما دام عبداً؛ لأنه لا يملك، فهو بمنزلة الفقير المعدم يلزمه الضمان في أنه لا يطالب به ما دام معدماً(٤) وإن كان الدين قد لزمه.
  فإن قيل: العبد لما لم يكن من أهل الولاية لم يكن من أهل الشهادة، كالصبي والمجنون.
(١) في (هـ): والأكثر أنه رأي أهل البيت.
(٢) وهو قبول الشهادة. (من هامش هـ).
(٣) وهي قبول خبره في الدين. (من هامش هـ).
(٤) في (أ، ج): عبداً.