باب القول في الشهادات
  جهة الأخبار أن لها فيه حظاً؟ وليس كذلك الشهادة؛ لأنه لا يجوز إقامتها على الغائب الذي لم يره. على أن الإنكاح لم يراع فيه ما روعي في الشهادة من الاحتياط والتشدد.
مسألة: [فيما تجوز فيه شهادة النساء وحدهن]
  وشهادة النساء وحدهن جائزة فيما لا يطلع عليه إلا النساء، وتجزئ شهادة امرأة واحدة(١).
  أما قبول شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال فلا خلاف في جملته وإن اختلف في أعيان المسائل، إلا ما يروى عن زفر أنه لم يجوز قبول شهادة النساء وحدهن في الولاد وغيره، والإجماع يحجه، وما روي عن النبي ÷ وغيره في هذا الباب على ما نبينه من بعد هذا يحجه، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ اُ۬لشَّهَٰدَةَ لِلهِۖ}[الطلاق: ٢]، وقوله: {وَلَا يَأْبَ اَ۬لشُّهَدَآءُ اِ۪ذَا مَا دُعُواْۖ}[البقرة: ٢٨١] يشتمل على النساء كما يشتمل على الرجال؛ لأن أحكام الشرع كلها وردت بلفظ التذكير وإن كانت مشتملة على النساء اشتمالها على الرجال، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ اُ۬لزَّكَوٰةَ}[المزمل: ١٨] وما جرى مجراه.
  ويمكن أن يقال: قد ثبت أن لقبول قول النساء على الانفراد مدخلاً في الشرع، وذلك في أخبارهن المتعلقة بالدين، فكذلك في الشهادات، والعلة أنها محكوم لها بالعدالة، ولا يلزم عليه قبول(٢) قولهن في المعاملات نحو حمل الهدايا وغير ذلك وإن لم تثبت لهن العدالة؛ لأن ذلك إثبات الحكم ولا علة.
  فأما عددهن فقد اختلف فيه، فذهب أبو حنيفة وأصحابه أن شهادة الواحدة مقبولة مثل ما ذهب إليه أصحابنا، وروي ذلك عن الثوري. وقال ابن شبرمة والشافعي: لا يقبل أقل من أربع نسوة. وعن البتي: لا يقبل أقل من ثلاث في
(١) الأحكام (٢/ ١٨٠، ١٨١، ٣٥٧) والمنتخب (٥٢١).
(٢) في (ب، د، هـ): قبولنا.