باب القول في الشهادات
  تبطل شهادته الأولى؛ لأن هذا الشاهد شهد شهادتين: إحداهما له، والأخرى عليه، فقبلت التي له؛ لأن معه آخر، ولم تقبل التي عليه؛ لأنه شاهد واحد، ألا ترى أن شاهدين لو شهدا له بألف، وشهد أحدهما للمشهود عليه بمائة دينار، ثبت الألف بشهادتهما، ولم تثبت المائة بشهادة الواحد؟ فكذلك مسألتنا، ولم يجب لإكذاب المشهود له شهادته فيما شهد عليه سقوط شهادته؛ لأنه أكذبه في غير ما شهد له به.
  فإن قيل: إذا أكذبه وجب أن تبطل شهادته على أي وجه كان الإكذاب، كما أنه لو أقر بأن شاهده فاسق وجب بطلان شهادته.
  قيل له: ليس ذلك حكم جميع الإكذاب(١)؛ لأنه قد يكذبه بأن يدعي عليه السهو والنسيان، وذلك لا يقدح في شهادته.
  والذي يجب أن يقال في هذه المسألة: إن شاهدين لو شهدا بقرض أو دين أو إقرار ثم شهد أحدهما بقضاء ذلك كان الأمر على ما بيناه؛ لأن ذلك لا يقتضي إكذاب الشاهد نفسه، فإن أطلقا الشهادة فشهدا أن عليه ألفاً ثم شهد أحدهما أنه قد قضاه وجب أن تسقط شهادته؛ لأن قوله: عليه كذا ينافي قوله: قد قضاه، فهو إذاً مكذب نفسه؛ لأنه إن(٢) كان قد قضاه فليس هو عليه، وليس كذلك إذا شهد بما ذكرناه أولاً؛ لأن شيئاً من ذلك لا ينافي القضاء.
مسألة: [في رجوع أحد الشاهدين قبل الحكم أو بعده]
  قال: فإن قال أحدهما: «رجعت عن شهادتي» لم يحكم بالمال.
  وهذا ما لا خلاف فيه؛ لأن الشهود إذا رجعوا قبل الحكم بشهادتهم لم يجز الحكم بها؛ لأن الحاكم إذاً يكون حاكماً بغير الشهادة.
(١) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٥٦): ليس كل إكذاب تفسيقاً.
(٢) في (هـ): إذا.