كتاب القضاء والأحكام
  سواء، وكذلك إذا حكم بنفقة ذي الرحم؛ لأنه قصد به تجديد الإثبات؟ وليس كذلك ما اختلفنا فيه؛ لما نبينه. وأيضاً هو إثبات أمر متقدم، فمتى لم يكن هناك أمر متقدم [لم يثبت في الباطن شيء، كالإقرار لما كان إثبات أمر متقدم فمتى لم يكن هناك أمر متقدم](١) لم يثبت بالإقرار شيء، فكذلك الحكم، ويكشف(٢) ذلك أن الحاكم لا يقصد لإيقاع عقد لم يكن أو إيقاع فسخ لم يكن، بل يقصد لإثبات عقد واقع أو فسخ واقع، فكيف يقع عقد لم يكن أو فسخ لم يكن وهو خلاف موجب الحكم؟
  ويمكن أن يستدل في المسألة بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَي اَ۬لْحُكَّامِ}[البقرة: ١٨٧]، وهذا يوجب أن من ادعى بيعاً أو شراءً وهو يعلم أنهما لم يقعا لا(٣) يحل له التصرف في المبيع والمشترى وإن حكم له الحاكم بشهود الزور(٤).
  ويدل على ذلك ما روي من قوله ÷: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنما أقطع له قطعة من النار»(٥)، ولم يفصل ÷ بين أن يكون حكمه تناول(٦) عقداً أو غيره، فدل ذلك على أن الأمر في العقد وغيره سواء.
  وأيضاً إحدى الروايتين عن أبي حنيفة أن الموهوب [له] لا يملك وإن حكم له الحاكم بعقد الهبة، فيمكن أن يقاس عليه سائر العقود بعلة أن الحكم لم يصادف عقداً واقعاً قبل الحكم.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).
(٢) في (أ، ج): «يكشف» بدون واو.
(٣) في (هـ): لم.
(٤) «الزور» ساقط من (ب، د).
(٥) أخرجه البخاري (٩/ ٢٥) ومسلم (٣/ ١٣٣٧).
(٦) في (هـ): يتناول.