باب القول في الوكالة
مسألة: [في بيع الوكيل الشيء الذي وكل ببيعه بأقل من ثمنه]
  قال: وإذا وكل الرجل رجلاً ببيع شيء فباعه بدون ثمنه بما يتغابن الناس بمثله جاز بيعه، وإن باعه بدون ثمنه بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز تخريجاً(١).
  وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: هو جائز.
  ووجه ما قلناه: أن بيع الشيء بدون ثمنه محاباة تجري مجرى الهبة، ألا ترى أن ذلك إذا كان من المريض أجري مجرى الهبة ورد إلى الثلث؟ فإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يصح من الوكيل؛ لأن الوكيل لا يصح له أن يهب من الثمن شيئاً. ولا خلاف أنه لو وكله بشراء شيء فاشتراه بأكثر من قيمته بما(٢) لا يتغابن الناس به لم يلزم الشراء الموكل، فكذلك البيع، والعلة فيه أنه تصرف على حد لا يقتضيه أمر الموكل من جهة العرف. وأيضاً إذا أمره بالبيع فمن طريق العرف أنه(٣) يأمره ببيعه بقيمة مثله، فإذا باع بدون ذلك يكون مخالفاً، فلا يثبت البيع، كما أنه لو أمره ببيعه بثمن معلوم فباعه بدون ذلك لم يثبت البيع.
  فإن قيل: الوكيل يتصرف من جهة الأمر، ولفظ الأمر عام في كل ما يسمى بيعاً، فجاز بقليل الثمن وكثيره؛ لدخوله تحت اللفظ.
  قيل له: هذا يجب أن يكون خاصاً من طريق العرف؛ لأن العرف جار في الأمر بالبيع أن يكون أمراً ببيع الشيء بقيمة مثله.
  فإن قيل: العرف لم يجعل اللفظ مخصوصاً بالكثير دون القليل.
  قيل له: ليس الأمر على ما ادعيت، فإن العرف قد خصصه، حتى يجري قوله: بع هذا الثوب مجرى قوله: بعه بقيمة مثله، وهذا ظاهر في التعامل. على أن ما قالوه لو صح في البيع لصح في الشراء؛ لأن لفظ الشراء أيضاً عام كما أن لفظ البيع عام، إلا أن العرف أوجب تخصيصه في الشراء بقيمة مثله، فكذلك في البيع.
(١) لنصه على مثله في المهر. (شرح القاضي زيد).
(٢) في (أ، ب، ج، د): مما.
(٣) «أنه» ساقط من (أ، ب، ج، د).