باب القول في الكفالة والحوالة
باب القول في الكفالة والحوالة
  الكفالة بالوجوه جائزة(١).
  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي، والقول الثاني: إنها ضعيفة.
  والأصل فيها: ما روي عن النبي ÷: «الزعيم غارم»، والزعيم هو الكفيل، ولم يبين زعيماً للنفس أو للمال، فهو على العموم. وقال الله ø حاكياً عن يعقوب #: {لَنْ أُرْسِلَهُۥ مَعَكُمْ حَتَّيٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاٗ مِّنَ اَ۬للَّهِ لَتَأْتُنَّنِے بِهِۦ}[يوسف: ٦٦]، وهو الكفالة، وروي الكفالة بالنفس عن علي # فيما كان بينه وبين ابن عمر. وعن ابن مسعود أنه حين قتل ابن النواحة(٢) بالكوفة فاستشار الصحابة فأشاروا عليه بأن يكفلهم عشائرهم(٣)، فصار ذلك إجماعاً منهم؛ إذ لم يرو إنكاره عن أحد منهم، وروى زيد بن علي عن أبيه، عن جده، عن علي $ أن رجلاً كفل لرجل بنفس رجل فحبسه حتى جاء به(٤).
  وهي من العقود المشهورة المتعارفة بين المسلمين من لدن الصحابة إلى يومنا هذا لم يعرف فيها النكير، فصار إجماعاً، وقد ثبت أن حضور الخصم حق لخصمه(٥) يستوفيه عليه بنفسه وبالحاكم، ألا ترى أن الحاكم يلزمه ذلك ويكرهه عليه؟ فوجب أن تصح الكفالة به؛ دليله الكفالة بالمال، ويحترز من الحدود بأن يقال: لا تسقطه الشبهة.
  فإن قيل: هو غرر، وقد نهينا جملة عن الغرر.
  قيل له: ذلك ليس بغرر؛ لأن إحضاره المكفول به أمر معلوم مضبوط. على
(١) انظر المنتخب (٥٧٦).
(٢) في (أ، ب، ج، هـ): رواحة. وهو تصحيف.
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ١٢٧).
(٤) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٢).
(٥) لفظ شرح القاضي زيد: ولأن حضور المدعى عليه مجلس الحكم حق المدعي يستوفيه بنفسه وبالحاكم لا تسقطه الشبهة.