باب القول في الصلح
مسألة: [في عدم جواز الصلح على الإنكار]
  قال: ولا يجوز الصلح على الإنكار(١).
  وبه قال الشافعي وابن أبي ليلى.
  وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك: هو جائز.
  والذي يدل على ما قلنا قول الله تعالى: {لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ}[البقرة: ١٨٧]، وهذا من أكل المال بالباطل؛ لأنه يعطيه تفادياً من الأذى، وقوله: «إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» وأخذ المال ممن يتفادى به من الأذى حرام، وهذا الصلح يقتضيه، فوجب ألا يكون جائزاً. ولا خلاف أن بعض الظلمة لو صادر بعض الناس على مال معلوم فصالحه على بعضه أنه لا يجوز، وأن المال لا يحل للآخذ(٢)، وأن للمعطي الرجوع فيه ما أمكنه، فكذلك الصلح على الإنكار؛ بعلة أنه أعطاه تفادياً من الأذى من غير سبب يوجبه.
  يكشف ذلك أنه بمعنى الرشوة التي تعطى لقطع الأذى، إما لأن يكف أذاه في منعه الواجب أو إيصال الظلم إليه، وهذا سبيل الصلح على الإنكار. على أن عقد الصلح عقد معاوضة؛ لأنه يبذل شيئاً عوضاً عن آخر، فإذا لم يكن هناك شيء يصح أن يعوض عنه كان باطلاً، كبيع الهواء والريح وما أشبه ذلك.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون ما يبذل يبذله على قطع الخصومة؟
  قيل له: ذلك لا يصح؛ لأنه لو كان كذلك لوجب أن يحكم بالمال على المدعى عليه إن أقر بعد ذلك، لو كانت الدعوى في سلعة فصح كونها في يد المنكر بعد الصلح لوجب(٣) أن تؤخذ منه، ولوجب أن تسمع البينة بعد ذلك، ألا ترى أن اليمين لما كانت لقطع الخصومة سمعت البينة بعدها؟ كذلك الصلح
(١) المنتخب (٥٣٨).
(٢) في (د، هـ): لأحد.
(٣) في (أ، ج): فوجب. وفي (ب، د): يوجب.