باب القول في التفليس
  قيل له: هذان خبران صحيحان، كل منهما يفيد معنى صحيحاً غير معنى صاحبه، فلا وجه لقولكم: هذا لفظ(١) مخالف للفظ حديثكم؛ إذ لم يردا(٢) في معنىً واحدٍ، ألا ترى أن الحديث الثاني يستوي فيه المفلس وغير المفلس؟
  فإن قيل: روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ÷: «إذا أفلس الرجل فوجد رجل متاعه [عنده] فهو فيه أسوة الغرماء»(٣)، وروي: «من باع بيعاً فوجده بعينه وقد أفلس المشتري فهو بين الغرماء»(٤)، وروي ذلك أيضاً عن عليٍ #(٥).
  قيل له: يحتمل أن يكون معنى ما روي عن النبي ÷ من قوله: «فهو بين غرمائه» إذا رضي صاحب المتاع، وكذلك ما روي عن علي # من قوله: (هو أسوة الغرماء) إن رضي به صاحبه، وما قلناه أولى؛ لنكون قد استعملنا الخبرين على فائدتين صحيحتين، ولا نكون أسقطنا أحدهما أو نتأوله تأويلاً بعيداً متعسفاً.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد به إذا وجده عنده على سبيل الوديعة أو المضاربة؟
  قيل له: هذا هو التعسف في التأويل؛ لأنه يبطل فائدة قوله: «أيما رجل أفلس» لأن المفلس وغير المفلس في ذلك سواء، على أنه ذكر في بعض ما روي عن أبي هريرة البيع، وهو(٦) ما روي: «إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته
(١) في (ب، د): اللفظ.
(٢) في (أ، ب، ج، د): يرد.
(٣) رواه الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٣/ ١٦٨) إلا أن آخره: فهو بين غرمائه كما في جواب الإمام.
(٤) رواه الجصاص (٣/ ١٦٨).
(٥) أخرجه في مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٧)، وابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٢٧٩).
(٦) «هو» ساقط من (أ).