كتاب القضاء والأحكام
  حولاً» فعرفتها، ثم أتيته فقال: «عرفها حولاً»(١)، ألا ترى أنه أمر بتعريفها ثلاث سنين؟
  وروي عن عمر بن عبدالله بن يعلى، عن جدته حكيمة، عن أبيها قال: قال رسول الله ÷: «من التقط لقطة يسيرة - درهماً أو حبلاً، أو ما أشبه ذلك - فليعرفه ثلاثة أيام، فإذا كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام»(٢).
  وروي عن زيد بن صوحان قال: وجدت قلادة في طريق مكة، فأتيت بها عمر، فذكرت له، فقال: عرفها أشهراً، فإن وجدت صاحبها وإلا ضعها في بيت مال المسلمين.
  فدلت هذه الأخبار على أنه ليس للتعريف حد مقطوع، وأنه بحسب الرأي والغالب في الظن احتياطاً(٣) لصاحب اللقطة والضالة، وإنما قصر بهذه المدة(٤) من ثلاث سنين إلى ثلاثة أيام لأن الإنسان لا يمكنه طول عمره أن يكون مشغولاً بالتعريف. وقول عمر: ضعها في بيت مال المسلمين يدل على وجوب حفظها بعد التعريف كما قلنا.
  فإن قيل: فقد روي: «استنفع بها»، وروي: «شأنك بها»(٥)، وروي: «هي لك»، وروي: «كلها».
  قيل له: أكثر الأخبار على لفظ الاستنفاع، وقد بينا أنه يجوز أن يكون أراد به اكتساب الأجر بحفظها، وقوله: «شأنك بها» أي: بحفظها، كأن يحثه على ذلك، وقوله: «هي لك» يجوز أن يكون معناه حكمها لك في التعريف
(١) أخرجه البخاري (٣/ ١٢٦) ومسلم (٣/ ١٣٥٠).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٢٩/ ١٠٩) والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٣٢٣) وضعفه.
(٣) في (أ، ب، ج، د): احتياط.
(٤) في (ب، د): وإنما قصر به على هذه المدة. وفي (هـ): وإنما قَصَرتْه على هذه.
(٥) هو في حديث زيد بن خالد الجهني المتقدم.