كتاب الطهارة
  وأما الوجه في استحباب الغسل لمن غسل الميت - فلأنه لا يكاد يسلم من أن ينتضح عليه من غسالة الميت ما ينجسه، سيما وقد بينا فيما تقدم أن الماء ينجس بوروده على النجاسة كما ينجس بورود النجاسة عليه.
  ومن أهل البيت(١) من يذهب إلى أن ذلك واجب، وذلك لا معنى له؛ إذ لم يقم عليه دليل من الشرع؛ ولأن الغسل(٢) لو وجب لكان يحب لأنه لمس(٣) الميت إذا صب عليه الماء، وصب الماء لا يزيده(٤) شراً، وإذا ثبت بالإجماع أن من مس الميتة من سائر الحيوان فلا يجب عليه الغسل فكذلك من مس الميت من بني آدم؛ إذ لا يجوز أن يكون ابن آدم أسوأ حالاً من سائر الحيوانات، سيما ما ثبتت نجاستها كالكلب والخنزير.
  وأما الوجه في استحباب الغسل لمن أراد دخول الحرم فهو أن الإنسان يحصل في ذلك المكان الشريف، فاستحب له الغسل كما استحب لمن أراد حضور الجامع يوم الجمعة وحضور المصلى في العيدين.
  وليس لأحد أن يقول: إن النبي ÷ لما لم يأمر عائشة بتكرير الغسل لدخول الحرم حين أمرها أن تحرم من التنعيم ثبت أنه لا وجه لاستحبابه، وذلك أن الغسل الواحد يقوم مقام الغسلات الكثيرة في الفرض والسنن، فكيف في الاستحباب؟! فإذا كان ذلك كذلك لم يمتنع أن يكون النبي ÷ لم يأمرها بذلك لقرب التنعيم من الحرم؛ فكأن الغسل الواحد ناب عن الإحرام وعن دخول الحرم.
(١) يعني الناصر وبعض أصحاب الحديث، وحكي عن الإمامية. (شرح القاضي زيد). (من هامش ج).
(٢) هكذا في النسخ، وفيه بعض إشكال، والذي في شرح القاضي زيد في هذا الوضع: ولأن الغسل لو وجب لكان إنما يجب لمس الميت، ومس الميت لا يوجب الغسل كما إذا مسه لا للغسل. (من هامش أ).
(٣) في (ب، ج): يمس.
(٤) في (أ): لكان يجب لأنه لمس الميت، وإذا صب عليه الماء لا يزيده شراً. اهـ وفي نسخة: لكان يجب لأنه يمس الميت إذا صب عليه الماء لا يزيده شراً.