كتاب الصيد والذبائح
  {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اَ۬للَّهِ لَا تُحْصُوهَاۖ}[النحل: ١٨]. على أن قوله ø: {سَكَراٗ وَرِزْقاً حَسَناًۖ}[النحل: ٦٧] يدل على أن السكر ليس من الرزق الحسن؛ لأنه فصل بينهما بالواو، وفيه دليل على أنه ليس بمباح؛ لأنه لو كان مباحاً لكان رزقاً حسناً. ويحكى عن بعض السلف من المفسرين: السكر الخمر، وهذا يصحح التأويل الذي ذكرناه؛ لأنه لا خلاف في تحريم الخمر.
  فأما تحريمها من جهة القياس فظاهر، وذلك أن العصير حلالٌ شربه، فإذا صار مسكراً كان خمراً وحرم شربه، وإذا ارتفعت عنه هذه الحال بأن يصير خلاً زال التحريم عند أكثر العلماء، فعلم أن الحكم تعلق بهذه الحالة وأنها علة الحكم، فكل شراب يكون مسكراً يجب أن يكون محرماً، ويؤيد هذا القياس [أن] الذي نبه الله تعالى عليه من تعليق التحريم لأجله بالخمر من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة يستوي فيه الخمر وسائر الأنبذة، ويؤيد هذه العلة قوله: «كل مسكر خمر»، فبين الاسم، والحكم به يتعلق. ويمكن أيضاً أن تقاس الأنبذة على الخمر بأن يقال: إن الشربة التي يحصل عقيبها السكر لما كانت حراماً وجب تحريم الشربة الأولى؛ دليله الخمر. وأيضاً لما كان الإكثار منه يورث العداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وجب أن يكون القليل منه حراماً كالخمر. ويمكن أن يقاس قليل النبيذ على كثيره بعلة أنه شراب مسكر.
  ويؤيد ما ذكرنا ما روي أن عمر وجد ريح الشراب من ابنه عبيدالله فقال: إني سائل عنه، فإن كان فيما شرب مسكر جلدته، فجلده(١).
  فإن قيل: لو كان ذلك كذلك لورد النقل بتحريمها متواتراً؛ لأن بلوى أهل المدينة بها كان عاماً.
(١) أخرجه الطحاوي (٤/ ٢٢٢) والطبراني في مسند الشاميين (٤/ ١٥٩).