باب القول في محاربة أهل الحرب
  إماماً، فثبت بذلك أنه لا بد في غزو أهل الحرب وأهل البغي من إمام أو وال من قبله. وأيضاً قال الله ø: {وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَي اَ۬لذِينَ ظَلَمُواْ}[هود: ١١٣]، والغزاة لا بد لهم من رئيس يجمع شملهم، ويضم نشرهم، ويأمرهم وينهاهم حتى يتصرفوا عن رأيه وأمره ونهيه، وذلك هو الركون إليه، فوجب ألا يكون الغزو مع ظالم معتد(١)، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا بد من إمام أو والٍ من قبله.
  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إن الإمام يستغنى عنه؛ بأن يجتمع المسلمون على تأمير رجل من الصالحين، فلا يكون ذلك ركوناً إلى الظالمين؟
  قيل له: هذا لا يصح؛ لأن أحداً لم يقل بوجوبه؛ لأن الناس على قولين: منهم من يرى الغزو مع كل أحد، من إمام أو رجل صالح أو ظالم، ومنهم من لا يراه إلا مع إمام أو والٍ من قبله، فإذا بطل قول من يجيزه مع رجل من الظالمين لم يبق إلا قول من يقول: إنه لا يجوز إلا مع إمام أو والٍ من قبله.
  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: يجوز للمسلمين أن يغزوا بأنفسهم من غير أن يكون لهم رئيس؟
  قيل له: هذا يفسد من وجهين:
  أحدهما: أن هذا كالأول، من يجيزه يجيز(٢) الغزو مع الظالم، فإذا فسد ذلك فسد هذا القول.
  والثاني: أنا قد علمنا من طريق العرف والعادة أن شيئاً من السرايا والعساكر لا يستقيم أمرهم ولا يتم - سواء كانوا مبطلين أو محقين - إلا مع رئيس(٣) يقدمهم ويدبر أمرهم، فبطل ذلك. وأيضاً قد ثبت أن المسلمين كانوا يغزون بإذن رسول الله ÷ وإذن الأئمة في زمانهم، ولم يكونوا ينفردون بهم، فصار ذلك سنة متبعة.
(١) في (ب، د): متعد.
(٢) في (هـ): يجيزه من يجيز.
(٣) في (هـ): إلا برئيس.