شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في محاربة أهل الحرب

صفحة 514 - الجزء 6

  واجب، ويدل على ذلك حديث ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فقال: إنما كان ذلك قبل الإسلام⁣(⁣١)، أغار رسول الله ÷ على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث⁣(⁣٢). فدل ذلك أيضاً على وجوب الدعاء لمن لم تبلغهم الدعوة.

مسألة: [في أهل الحرب يأبون الإسلام]

  قال: فإن أبوا ذلك عرض عليهم أن يكونوا أهل ذمة، ويؤدوا إلى المسلمين الجزية، وتجرى عليهم أحكام المسلمين، ويولى فيهم ولاتهم، ويتركوا على دينهم كما يترك سائر أهل الذمة، فإن أجابوا إلى ذلك فعل بهم⁣(⁣٣).

  ظاهر هذا الكلام في الأحكام يدل على أن الجزية تقبل من جميع المشركين من غير استثناء أحد منهم، وحكي ذلك عن مالك، إلا أن أبا العباس الحسني قال: روي عن يحيى بن الحسين # فيما سئل عنه أنه قال: أذن لرسول الله ÷ في قريش وجاهليتهم أن يضع فيهم السيف حتى يسلموا، ومنعه من كل هدنة، ولم يرض من العرب إلا بالقتل أو الإسلام، قال أبو العباس: قد نص على وجوب [أخذ]⁣(⁣٤) الجزية من نصارى بني تغلب، فدل ذلك على أن مراده كان مشركي العرب الذين لا يدينون بكتاب. فصار تحصيل مذهبه أن الجزية مأخوذة من جميع المشركين، إلا مشركي العرب الذين لا يدينون بكتاب. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، قال الشافعي: لا تقبل الجزية من أحد إلا من أهل الكتاب.

  أما قبول الجزية من أهل الكتاب فلا خلاف فيه؛ لقول الله تعالى: {قَٰتِلُواْ


(١) في كتب الحديث: إنما كان ذلك في أول الإسلام.

(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٣٥٦) وأبو داود (٢/ ٢٤٧).

(٣) الأحكام (٢/ ٤٠٤).

(٤) ما بين المعقوفين من شرح القاضي زيد.