كتاب السير
  ويقال للشافعي: قد ثبت أن المجوس تؤخذ منهم الجزية؛ لما روي أن النبي ÷ أخذ الجزية من مجوس هجر(١)، ولما حصل فيه من الاتفاق، فوجب أن تؤخذ من سائر الكفار من العجم وإن كانوا من أهل الأوثان، والعلة أنه عجمي كافر الأصل مستمر عليه.
  فإن قيل: إنهم من أهل الكتاب؛ لما روي عن علي #: (إن المجوس أهل كتاب بدلوا، فأصبحوا وقد أسرى(٢) على كتابهم)(٣).
  قيل له: هذا الحديث مما لا نعرفه، وهو لا يخرجهم اليوم من ألا يكونوا من أهل الكتاب؛ إذ لا يدينون بكتاب معروف؛ ولأنهم يعبدون النيران، فهم في حكم عباد(٤) الأوثان. على أن قول الله ø: {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ اَ۬لْكِتَٰبُ عَلَيٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا}[الأنعام: ١٥٧]، يعني اليهود والنصارى يدل(٥) أنهم أهل الكتاب فقط، وأنه لا ثالث لهم، وفي ذلك دليل على أن المجوس ليسوا منهم.
  ويدل على ذلك حديث عبدالرحمن بن عوف أن النبي ÷ قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» [فدل ذلك على أنهم لم يكونوا من أهل الكتاب](٦) وإنما أمر النبي ÷ أن يجروا مجرى أهل الكتاب في أخذ الجزية وفي تقريرهم على ما هم عليه، فوجب أن يكون ذلك حكم جميع العجم. على أن حديث عبدالرحمن حديث مشهور تلقته الصحابة والعلماء بعدهم بالقبول. على أنه لا يصح أن ينسبوا إلى كتاب لا يعرف ولا يعرف ما فيه، ولا هم يدينون به، ولا يعلمون على من كان أنزل، فلو كان لهم في الأصل كتاب إلا أنهم قد جهلوه ولا
(١) أخرجه البخاري (٤/ ٩٦) والترمذي (٣/ ١٩٩).
(٢) في (أ، ج): أسروا.
(٣) أخرجه الشافعي في مسنده (١٧٠)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٣١٧).
(٤) في (هـ): عبدة.
(٥) «يدل» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).