باب القول في أهل دار الحرب يسلمون أو يسلم بعضهم أو يقبلون الذمة
  كان سيدها مالكاً لها، فإذا ملكها وجب أن يكون هو أولى بعوضها، وأن يستحقها على من يتلفها، فإذا ثبت ذلك فمتى أسلم عليها الحربي لم يجز له أن يقيم على تملكها - لأن الإسلام يمنع من كون أم ولد المسلم ملكاً لغيره - ووجب أن يستحق عوضها؛ لأنه مال، ولا يمتنع استحقاقه مع الإسلام، فيحكم به على سيدها إن كان موسراً، أو يعان عليه من بيت المال إن كان معسراً، فإن لم يكن بيت مال فالواجب أن يكون ديناً عليه، ولا وجه لسعايتها؛ لأنها لا تعتق [بسعايتها](١)، فلا يلزمها عوضها مع كونها موقوفة.
  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إن الغلبة في أهل الحرب وجه يتملكون منه، كما يتملك بعضنا على بعض بالشراء والهبة، فما لا يصح أن يتملك بالشراء والهبة بعضنا على بعض لا يصح منهم أن يملكوه علينا بالغلبة؟
  قيل له: لا يمتنع أن تكون الغلبة أقوى في هذا الباب من الشراء والهبة؛ لأن الشراء والهبة لا يصحان على كل وجه، بل لا بد فيهما من شروط، كارتفاع الجهالة والغرر عن الشراء(٢) وعن الثمن والسلعة، وكذلك يجب ارتفاع الجهالة عن الموهوب، ولا بد فيهما من رضا المالك أو من يقوم مقامه، وليس كذلك الغلبة، فإنها تملك على كل وجه، ولا يعتبر فيها رضا المالك أو من يقوم مقامه، فيجب أن يكون حكم الغلبة أقوى، فلا يمتنع أن يملك بها ما لا يصح أن يملك بالشراء والهبة. على أنا نقول: إنهم يملكون على المسلمين أرقاءهم المسلمين بالغلبة، ولا يجوز للكفار أن يملكوا أرقاء مسلمين بالشراء والهبة، فكل ذلك يكشف أن الغلبة أقوى في هذا الباب، فلا يمتنع أن تملك بها أم الولد على سيدها.
(١) ما بين المعقوفين من شرح القاضي زيد.
(٢) كذا في المخطوطات.