شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في محاربة أهل البغي

صفحة 550 - الجزء 6

مسألة: [في قتل المدبر والإجازة على الجريح من البغاة]

  قال: وإذا انهزم أهل البغي وكانت لهم فئة يرجعون إليها قتل مدبرهم، وأجيز على جريحهم، وإن لم تكن لهم فئة يرجعون إليها لم يقتل مدبرهم، ولم يجز على جريحهم، ولكن يطردون ويفرقون⁣(⁣١).

  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

  وقال الشافعي: لا يقتل مدبرهم ولا يجاز على جريحهم وإن كان لهم فئة.

  والدليل على ما قلناه: قول الله تعالى: {فَقَٰتِلُواْ اُ۬لتِے تَبْغِے حَتَّيٰ تَفِےٓءَ ا۪لَيٰ أَمْرِ اِ۬للَّهِۖ}⁣[الحجرات: ٩]، فأمر بقتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، والمنهزم والمجروح ما داما مقيمين على رأيهما في منابذة المحقين فلم يحصل منهما الفيء إلى أمر الله ø، فوجب قتالهما حتى يفيئا إلى أمر الله، ومن لزم قتاله لمعنى لزم قتله إلا أن يفارق ذلك المعنى.

  فإن قيل: إذا انهزم فقد ترك القتال، فقد فاء إلى أمر الله ø على بعض الوجوه، فوجب ترك قتاله.

  قيل له: المنهزم المحتاز إلى فئة الضلالة لم يأت بما أمره الله ø على وجه من الوجوه؛ لأن الله لم يأمره بترك القتال على هذا الوجه، وإنما أمره بترك القتال على وجه التوبة، فوجب القتال⁣(⁣٢) إذاً كما كان، ألا ترى أن من انهزم عن المشركين محتازاً إلى فئة من المسلمين لم يبؤ بسخط من الله ø؟ فكذلك من انهزم من أهل البغي عن المسلمين محتازاً إلى فئة من أهل البغي فلم يفئ إلى أمر الله ø.

  فإن قيل: قوله ø: {فَقَٰتِلُواْ اُ۬لتِے تَبْغِے}⁣[الحجرات: ٩]، من المقاتلة التي تكون بين اثنين، والمنهزم غير مقاتل، وكذلك المجروح المثخن، فلا يجوز قتلهما؛


(١) الأحكام (٢/ ٣٨١، ٣٨٢).

(٢) في (هـ): القتل.