كتاب السير
  فبصر به مولى لبعض بني أمية - أبي سفيان أو عثمان - فقال لعلي #: قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني، فأقبل نحوه، فخرج إليه كيسان مولى علي، فاختلفا ضربتين، فقتله مولى بني أمية، فانتهزه علي # فتقع يده في جيب درعه، فجذبه، ثم حمله على عاتقه، قال الراوي: فكأني أنظر إلى رجليه تختلفان [على عنق علي]، ثم ضرب به الأرض، فكسر منكبه وعضديه، وشد ابنا علي الحسين ومحمد @ فضرباه بسيوفهما حتى قتلاه، والحسن قائم مع أبيه علي $، فقال: (يا بني، ما منعك أن تفعل ما فعل أخواك؟) قال: كفياني يا أمير المؤمنين(١).
  ففي هذا الخبر دليل على ما قلناه من جواز الإجازة على الجريح، ألا ترى إلى ما فعله الحسين ومحمد ابنا علي بعد ما انكسر منكبه وعضداه من ضرب علي إياه على الأرض؟ وأكد ذلك قوله لابنه الحسن: (ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك؟) وعلى هذا يجب أن يجوز قتل الأسير منهم ما دامت الحرب قائمة إن رأى الإمام ذلك، كما روي أن ابن اليثربي لما أسره عمار أمر علي # بضرب عنقه.
  فإن قيل: روي أن علياً # كان إذا أتي بأسير أخذ سلاحه وقال: (لا أقتلك صبراً، إني أخاف الله رب العالمين) وكان يستحلفه ألا يعين عليه ولا يمالئ عدوه، ثم يطلقه.
  قيل له: يحتمل أن يكون ذلك لأنه رأى ذلك في الوقت لضرب من الصلاح، أو لأنه غلب على ظنه أنه يتوب، ونحن لا نقول: إنه يجب قتله لا محالة، وإنما نقول: إن ذلك جائز للإمام إن رآه. وتأول أبو بكر الجصاص(٢) ذلك بأن قال: يحتمل أن يكون ذلك كان بعد انقضاء الحرب، وفي الحال التي لم يبق للعدو فيها فئة. وهذا بعيد؛ لأن هذا كان في صفين، وفئتهم كانت بحالها كما كانت إلى أن وقعت الموادعة، وبعد وقوع الموادعة لم يكن قتل ولا أسر، والوجه ما قلناه في تأويل الحديث.
(١) رواه عن أبي مخنف الطبري في تاريخه (٥/ ١٨، ١٩).
(٢) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ١٠٤).