باب القول في محاربة أهل البغي
مسألة: [في تبييت أهل البغي ورميهم بالمجانيق وتغريقهم وتحريقهم ومنعهم الميرة]
  قال: ولا ينبغي أن يبيت أهل القبلة في مدنهم، ولا أن يوضع عليهم المنجنيقات، ولا أن يفتق عليهم ما يغرق مدنهم، ولا أن تضرم(١) بالنار، ولا أن يمنعوا من ميرة أو شراب، وكذلك العساكر الكبار التي لا يؤمن أن يكون فيها أبناء السبيل والتجار والنساء والولدان، فأما العساكر التي قد أمن أن يكون فيها أحد ممن لا يجوز قتله فلا بأس أن يبيتوا ويقتلوا، كثروا أم قلوا، إذا كانت الدعوة قد وصلتهم قبل ذلك(٢).
  والأصل في ذلك: قول الله ø: {وَلَوْلَا رِجَالٞ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤْمِنَٰتٞ ...} إلى قوله: {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماًۖ ٢٥}[الفتح]، فبين الله سبحانه أنه كف المؤمنين عنهم لئلا يلحق من هو بين أظهرهم من ضعفاء المسلمين من الرجال والنساء القتل والأذى، فلذلك(٣) قلنا: إنه إذا خشي أن يؤدي ذلك إلى تلف(٤) من لا يجوز قتله وإتلافه(٥) لم يبيتوا، ولم ينصب عليهم المنجنيق، ولم يغرقوا، ولم تضرم(٦) عليهم النار، وعلى هذا لو تترس المشركون بالمسلمين لم يرموا إلا أن تدعو الضرورة إليه، وحكي ذلك عن الشافعي فيما علق عن(٧) ابن أبي هريرة. قال أبو حنيفة: لا يكف عنهم. وما قلناه أولى؛ لأن دم المسلم محظور على كل وجه، ودم الكافر مباح، والمباح إذا لم يتم فعله إلا بفعل محظور صار محظوراً. وكذلك يجب أن يكون أهل البغي لو تترسوا بالمسلمين.
(١) في (ب، د): تضرب.
(٢) الأحكام (٢/ ٣٩٠، ٣٩١).
(٣) في (أ، ب، ج، د): فكذلك.
(٤) في (ب، د): قتل.
(٥) في (هـ): وإيلامه.
(٦) في المخطوطات: تضرب.
(٧) في (هـ): عنه.