باب القول في محاربة أهل البغي
  يبعث مصدقيه(١) لأخذ الصدقات، وكذلك أمير المؤمنين # والأئمة من بعده. ولا خلاف أن من كان عليه دين فتقاعد عن إيفائه ووجد الإمام له عيناً أو ورقاً أنه يأخذه ويوفي ما عليه غريمه، فأما عندنا وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي فله أن يبيع عليه عقاره وضياعه(٢) وعروضه إن لم يجد له عيناً أو ورقاً، فيوفي حق غريمه، وكذلك الحاكم يأخذ من المشتري ما استحقه الشفيع عليه بشفعته فيدفعه إلى الشفيع، فإذا ثبت ذلك وثبت أن الظلمة قد أخذوا أموالاً كثيرة على سبيل الظلم من أربابها، وخلطوا بعضها ببعض حتى صار في حكم المستهلك، ولم يمكن التوصل إلى معرفة أربابها المأخوذة منهم على وجه الظلم، وكذلك قد أخذوا كثيراً من أموال الله واستهلكوها، وصرفوها في وجوه لا يحل صرفها فيهم - صاروا لجميع ذلك ضامنين، وصار جهة جميع ذلك للفقراء ومصالح المسلمين، فإذا لم يفعلوا ذلك لزم الإمام أخذ أملاكهم وأموالهم على سبيل التضمين لهم، ووضعها فيما يراه من مصالح المسلمين، وفي الفقراء والمساكين.
  فإن قيل: فقد أمر أمير المؤمنين # يوم الجمل أن يؤخذ ما في المعسكر وما في بيوت أموالهم مما جبوه، ولم يتعرض لما في بيوتهم ومنازلهم من سائر أموالهم، فكيف قلتم: إن الإمام يأخذ كل ما يجد لهم ولأعوانهم؟
  قيل له: لأن أصحاب الجمل لم يكونوا تصرفوا في تلك الأموال تصرفاً يلزمهم ضمانها، وكانت أموال الجباية حاصلة في بيت المال؛ لأن مدتهم قصرت، وليس كذلك أموال الظالم(٣) اليوم؛ لأنه قد طال تصرفهم في هذه الأموال، وكثرت غصوبهم، وقد استهلكوا ما صار إليهم، فلزم ضمانه، فللإمام أن يأخذ أموالهم على سبيل التضمين لهم. وعلى هذا لو أن بعض الظلمة أو البغاة أخذ أموالاً ليس له
(١) في (أ، ب، ج، د): مصدقه.
(٢) «وضياعه» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٣) في (د، هـ): المظالم.