كتاب السير
  فيه: أنهما أتيا إلى النبي ÷ وأخبراه، فقال: «كلاكما قتله»، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح(١)، فدل ذلك(٢) على أن السلب لا يستحق بالقتل فقط؛ لأنه لو كان مستحقاً بالقتل لم يكن يجعل رسول الله ÷ سلبه لأحد القاتلين ويمنع القاتل الآخر حقه.
  فإن قيل: هذا الخبر لا يصح استدلالكم به؛ لأن القصة كانت يوم بدر، وقد روي(٣) أن الغنائم لم تكن أحلت يومئذ.
  قيل له: هذا يقتضي نسخ ما فعله النبي ÷ يومئذ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار لم يجز نسخ بعضها. وأيضاً روي عن مكحول، عن قتادة بن أبي أمية قال: نزلنا دابق وعلينا أبو عبيدة بن الجراح، فبلغ حبيب بن مسلمة أن صاحب قبرس(٤) خرج يريد أذربيجان، فخرج في خيل حتى قتله، وجاء بما كان معه إلى أبي عبيدة، فأراد أن يخمسه، فقال حبيب: لا تحرمني رزقاً رزقنيه رسول الله ÷، فإن رسول الله ÷ جعل السلب للقاتل، فقال معاذ بن جبل: مهلاً يا حبيب، إني سمعت رسول الله ÷ يقول: «إنما لكم ما طابت به نفس الإمام(٥)»(٦). وفي بعض الألفاظ: «ليس له إلا ما طابت به نفس إمامه»، ففيه وجهان من الدلالة:
  أحدهما: أن معاذاً ذكره في شأن السلب، فكأنه قال: ليس لكم من السلب إلا ما طابت به نفس الإمام.
  والثاني: أن عمومه يقتضي ذلك.
(١) أخرجه البخاري (٤/ ٩١) ومسلم (٣/ ١٣٧٣).
(٢) في (ب، د): بذلك.
(٣) في (ب، د، هـ): وقد قيل.
(٤) في المخطوطات: فرس، والمثبت من كتب الحديث.
(٥) في (هـ): إمامكم.
(٦) أخرجه البطراني في الكبير (٤/ ٢٠، ٢١) والجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٧/ ٥٥، ٥٦) وفيهما: رزقنيه الله.