شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب السير

صفحة 563 - الجزء 6

  فيه: أنهما أتيا إلى النبي ÷ وأخبراه، فقال: «كلاكما قتله»، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح⁣(⁣١)، فدل ذلك⁣(⁣٢) على أن السلب لا يستحق بالقتل فقط؛ لأنه لو كان مستحقاً بالقتل لم يكن يجعل رسول الله ÷ سلبه لأحد القاتلين ويمنع القاتل الآخر حقه.

  فإن قيل: هذا الخبر لا يصح استدلالكم به؛ لأن القصة كانت يوم بدر، وقد روي⁣(⁣٣) أن الغنائم لم تكن أحلت يومئذ.

  قيل له: هذا يقتضي نسخ ما فعله النبي ÷ يومئذ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار لم يجز نسخ بعضها. وأيضاً روي عن مكحول، عن قتادة بن أبي أمية قال: نزلنا دابق وعلينا أبو عبيدة بن الجراح، فبلغ حبيب بن مسلمة أن صاحب قبرس⁣(⁣٤) خرج يريد أذربيجان، فخرج في خيل حتى قتله، وجاء بما كان معه إلى أبي عبيدة، فأراد أن يخمسه، فقال حبيب: لا تحرمني رزقاً رزقنيه رسول الله ÷، فإن رسول الله ÷ جعل السلب للقاتل، فقال معاذ بن جبل: مهلاً يا حبيب، إني سمعت رسول الله ÷ يقول: «إنما لكم ما طابت به نفس الإمام⁣(⁣٥)»⁣(⁣٦). وفي بعض الألفاظ: «ليس له إلا ما طابت به نفس إمامه»، ففيه وجهان من الدلالة:

  أحدهما: أن معاذاً ذكره في شأن السلب، فكأنه قال: ليس لكم من السلب إلا ما طابت به نفس الإمام.

  والثاني: أن عمومه يقتضي ذلك.


(١) أخرجه البخاري (٤/ ٩١) ومسلم (٣/ ١٣٧٣).

(٢) في (ب، د): بذلك.

(٣) في (ب، د، هـ): وقد قيل.

(٤) في المخطوطات: فرس، والمثبت من كتب الحديث.

(٥) في (هـ): إمامكم.

(٦) أخرجه البطراني في الكبير (٤/ ٢٠، ٢١) والجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٧/ ٥٥، ٥٦) وفيهما: رزقنيه الله.