كتاب السير
  فإن قيل: فما تقولون فيما روي عن علي # أنه قال: (النفل قبل الغنيمة، فأما بعد الغنيمة فلا نفل)؟
  قيل له: ظاهر هذا الحديث لا يقول به المخالف؛ لأنهم يجوزون النفل بعد الغنم قبل الإحراز في دار الإسلام، ويجوزونه أيضاً من الخمس بعد الغنيمة، فلا بد لهم أيضاً من التأويل، وتأويله عندنا - والله أعلم - بعد القسمة.
  فإن قيل: قد تعلق بها حق الغانمين، فلا يجوز للإمام قطعه.
  قيل له: الغانمون لا يملكونه إلا بعد القسمة، وللإمام أن يتصرف فيه قبل أن يملكوا؛ لأنه لا خلاف بيننا وبينهم أن العبيد والنساء يرضخ لهم منه، وأن له قتل الأسير إن رأى ذلك مع تعلق حق الغانمين به قبل القسمة، وكذلك لا خلاف بيننا وبينهم أن أرض المشركين للإمام فيها الخيار بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يضرب عليها الخراج أو يتركها في أيديهم، لكلٍ ما كان في يده أولاً، وفي كل ذلك دلالة على أن للإمام التصرف في الغنيمة قبل القسمة. وأيضاً هو مشبه بالمال الذي يكون في بيت المال في أن للإمام التصرف فيه بحسب اجتهاده؛ لأنه مال(١) لم يملكه مالك بعينه.
  فإن قيل: التنفيل يكون للحض والحث على القتال، وذلك يكون قبل القتال، فلا وجه له بعد القتال.
  قيل له: له وجه صحيح بعد القتال؛ لأنه إذا خص به أهل العناء رغبهم في الاستمرار عليه فيما يستقبل من الحروب، ورغب غيرهم في مثل فعلهم، وعلى هذا يجوز عندهم التنفيل من الخمس بعد القتال.
  ومن المشهور تنفيل رسول الله ÷ قريشاً وسائر قبائل العرب بالأموال العظيمة دون الأنصار، حتى كاد يؤثر ذلك في نفس بعضهم، حتى قال لهم
(١) في (ب، د، هـ): ملك.