شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في التوجه وفي البقاع التي يصلى عليها وإليها

صفحة 446 - الجزء 1

باب القول في التوجه وفي البقاع التي يصلى عليها وإليها

  يجب على كل مصل أن يتوجّه إلى الكعبة إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه تحرى جهتها وصلى إليها.

  قال في المنتخب⁣(⁣١): فالقليل من الكعبة والكثير يجزئ إذا كانت نية المصلي إليها⁣(⁣٢)، وقال في قوله تعالى: {فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ}⁣[البقرة: ١٤٤]، أي: جانباً، أي: ناحية كانت من نواحيها.

  وقال في راكب السفينة: «يصلي على قدر ما يمكنه، غير أنه يتبع القبلة»، فنبّه على التحري.

  وقال في المنتخب⁣(⁣٣): من أخطأ القبلة وصلى ثم لم يعلم حتى خرج الوقت لم يعدها؛ لأنه قد تحرى القبلة عند توجهه.

  فدل ذلك على أنه يرى وجوب التحري، وهذا مما لا خلاف فيه بين الأمة، وقد قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ}⁣[البقرة: ١٤٤]، والشطر لا بد من أن يكون معلوماً أو مظنوناً؛ لأن أحكام الشريعة كلها راجعة إلى العلم أو غالب الظن، ومن المعلوم أن العلم يحصل بالمعاينة، وأن الظن يحصل بالتحري أو ما قام مقامة⁣(⁣٤)، فثبت أنه لا بد من التحري مع الغيبة عن الكعبة.

  ومعنى قولنا: يجب على كل مصل أن يتوجه إلى الكعبة أو يتحرى جهتها إذا لم يكن الحال حال العذر؛ لأن المتنفل على الراحلة والمصلي على السفينة والخائف لهم أن يصلوا إلى غير القبلة، وسنبين ذلك بعد هذا.


(١) المنتخب (١٠٤)، ولفظه: «والقليل منها والكثير يجزي إذا كان وجه المصلي إليها كما أمره الله».

(٢) من هذا أخذ أبو العباس وجوب نية الاستقبال. (من هامش ب).

(٣) المنتخب (٨٠) بلفظ: وإن كان لم يعلم أنه صلى إلى غير القبلة حتى جاز وقت تلك الصلاة لم يعدها؛ لأنه قد تحرى القبلة عند توجهه.

(٤) المحاريب ونحوها. (من هامش ب).