باب القول في التوجه وفي البقاع التي يصلى عليها وإليها
  فإن قيل: إن القبلة أصلها التحري لمن كان غائباً عن الكعبة، فيجب أن يكون [سبيل من أخطأها(١)] سبيل من لاح له اجتهاد خلاف الاجتهاد الأول في أنه لا يجب أن يعيد ما فعله أولاً باجتهاده ولا ينقضه إن كان حكماً.
  قيل له: إن القبلة وإن كان أصلها التحري ففي الجهات ما يعلم على القطع أنه غير جهة القبلة، فإذا صلى إليها ثم علم كان سبيله سبيل من يعلم أن اجتهاده الأول وقع مخالفاً للنص في أنه يجب أن يعيده ولا يعتد به، وينقضه إن كان حكماً.
  يبين ما ذكرناه من أن في الجهات ما يعلم قطعاً أنه غير جهة الكعبة أن في الجهات ما لا يجوز للمجتهد أن يصلي إليها، ويقطع على أنه مخطئ متى صلى إليها، وأن صلاته باطلة، على أنه لا خلاف أن الأسير إذا تحرى شهر رمضان فأداه ذلك إلى صيام شعبان ثم علم به في شهر رمضان أن عليه الإعادة، واختلفوا إن علم بعد شهر رمضان، فأحد قولي الشافعي أنه لا يعيد، حكاه ابن أبي هريرة في التعليق، وكذلك ذكر فيمن أخطأ عرفة فوقف يوم التروية ثم علم به يوم عرفة فعليه إعادة الوقوف، وإن لم يعلم به إلا بعد مضي عرفة لم يلزمه إعادة الوقوف، وذكر أنه قول واحد، وهذا يمكن أن يجعل أصلاً ويقاس عليه الخطأ في القبلة، بأن يقال: إنه أخطأ فيما طريقه الاجتهاد في عبادة مؤقتة، فعليه إعادتها في الوقت، ولا إعادة عليه بعد الوقت.
  فإن قيل: فإن سائر ما قد مضى الاستدلال به يوجب الإعادة قبل الوقت وبعده، وقد(٢) قلتم: إنه لا يعيد بعد الوقت.
  قيل له: الاستدلال يوجب ذلك، إلا أنا اتبعنا الأثر فيه فقلنا: لا إعادة عليه
(١) ما بين المعقوفين من المطبوع.
(٢) في (أ، ج، د): فقد.