باب القول في التوجه وفي البقاع التي يصلى عليها وإليها
  والمعصية لا يجوز أن يعتقد فيها الوجوب ولا الندب، فبان أن ما ادعيتموه من ذلك فاسد.
  فإن قيل: فأنتم تذهبون إلى أن الذبح بالسكين المغصوب جائز، فما الفرق بين ذلك وبين الصلاة في الأرض المغصوبة؟
  قيل له: الفصل بينهما أن الذابح لم يؤخذ عليه أن يكون الذبح قربة، وإنما أخذ عليه أن يقطع المذبح على الوجه المخصوص؛ ألا ترى أنه يصح ممن لا يتقرب كالذي لم يبلغ؟ فلم يمتنع أن يكون الذبح معصية ومع ذلك يذكي، وليست الصلاة كذلك؛ لأن الصلاة لا تكون إلا قربة، والمعصية لا تكون قربة.
  فإن قاسوها على الصلاة في الأرض التي لم تغصب كان هذا القياس ساقطاً؛ لكونه مؤدياً إلى فساد الأصول، على أنه يمكن أن يعارضوا بقياسها على الصلاة في الأرض النجسة، بمعنى أنه منهي عن الصلاة عليها، ويكون قياسنا أولى؛ للحظر والاحتياط.
  وأما الثوب المغصوب فهو مقيس على الثوب النجس، بمعنى أنه نهي الذكر والأنثى عن الصلاة فيه مع السلامة، فكل ثوب يكون كذلك لم تجز الصلاة فيه.
  وروى الناصر # في كتاب الإمامة عن بشر بن عبدالوهاب، يرفعه إلى ابن عمر: قال: لو أن رجلاً كانت له تسعة دراهم من حلال، فضم إليها درهماً من حرام، فاشترى بها ثوباً - لم يقبل الله منه فيه صلاة(١)، فقيل له: سمعت هذا من رسول الله ÷؟ فقال: سمعت من(٢) رسول الله ÷ ثلاث مرات.
  وهذا كالصريح(٣) لما ذهب إليه القاسم # في الثوب المغصوب؛ إذ الثوب المغصوب أسوأ حالاً من الثوب الذي اشتري بمال فيه حرام.
(١) في (ب): الصلاة.
(٢) في (د): قال سمعت هذا من رسول الله.
(٣) في (ب): كالتصريح.