شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الصلاة

صفحة 540 - الجزء 1

  ويدل على ذلك أيضاَ قوله تعالى: {قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ٢}⁣[المؤمنون]، والخشوع هو السكون.

  ومنه قيل في قوله تعالى: {وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ}: أي: سكنت الأصوات.


= وَأَيْضًا: يَلْزَمُ إِنْ لَمْ يُخَصَّصِ الرَّفْعُ بِمَا ثَبَتَ شَرْعًا أَلَّا يَرْفَعَ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ، وَلَا يَتَحَرَّكَ لِلْرُّكُوعِ وَلَا لِلسُّجُودِ، وَلَا لِلْقِيَامِ، وَلَا لِتَسْكِينِ مَا يُؤْذِيِه.

فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِالضَّرُورَةِ.

قُلْنَا: وَكَذَلِكَ هُوَ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى صِحَّتِهَا عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى.

- ... وَأَمَّا الآيَةُ، وَهْيَ: {قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ٢} ... إلخ [المؤمنون]، فَرَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ لَا يُنَافِي الْخُشُوعَ. وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لَهُ لَمَا ثَبَتَ عَنِ الشَّارِعِ فِي أَيِّ صَلَاةٍ، لَا جَنَازَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ.

وَالْعَجَبُ مِنَ الإِمَامِ الْمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ # فِي اسْتِدْلَالِهِ بِحَدِيثِ الإِمَامِ الأَعْظَمِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ $ فِي النَّهْيِ عَنِ العَبَثِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَسْتَدِلُّ بِرِوَايَتِهِ عَنْ آبَائِهِ $ فِي الرَّفْعِ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى فِي هَذَا الْمَقَامِ، مَعَ أَنَّهُ قَد اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ الإِمَامِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ $ فِي الرَّفْعِ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى فِيمَا سَيَأتِي في (ص: ٢٤٥) بِقَوْلِهِ: «وَقُلْنَا: إِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ؛ لِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ $ أَنَّهُ (كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى ثُمَّ لَا يَعُودُ)».

وَقْدَ عَلَّقْتُ عَلَيْهِ بِقَوْلِي: قِفْ عَلَى رِوَايَةِ الإِمَامِ الْمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ # عَن الإِمَامِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ $ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ... إلخ.

وَهْوَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، فَمَا تَقَدَّمَ لَهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ لِلْمَذْهَبِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ ... إلخ.

وَالْعَجَبُ أَيْضًا مِنْ مُبَالَغَتِهِ # فِي الاسْتِدْلَالِ عَلَى تَرْكِ الرَّفْعِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ ثُبُوتُهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى، وَهْوَ مَذْهَبُ أَعْلَامِ أَهْلِ البَيْتِ $، وَمِنْهُم الإِمَامُ الهَادِي إِلَى الْحَقِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ؛ لِرِوَايَتِهِ لَهُ فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ، وَهْيَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرْوِيَهَا وَيُقَرِّرَهَا وَهْيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَهُ.

وَعَلى كُلِّ حَالٍ: الْوَاجِبُ عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا صَحَّ مِنَ الأَدِلَّةِ، وَإِنْ خَالَفَ مَنْ خَالَفَ، فَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ حُجَّةً إِلَّا قَوْلَ عَلِيٍّ #، هَذَا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ البَيْتِ $.

وَحَاشَا الإِمَامَ الهَادِي إِلَى الْحَقِّ # أَنْ يُرِيدَ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَحَّ لَهُ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا الْمُغَالُونَ فِي التَّقْلِيدِ يُوهِمُونَ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ البَصِيرَةِ، وَإِنَّهُم لَيَجْنُونَ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْمَلَ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.