شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الصلاة

صفحة 616 - الجزء 1

  فإن احتجوا بقول الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ}⁣[البقرة: ٤٣]، وقوله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ}⁣[التوبة: ١١]، وما أشبهها من الظواهر.

  قيل لهم: هذه الظواهر لا حجة لكم فيها؛ لأنها توجب إقامة الصلاة فقط، فمن أقامها مبتدئاً فقد امتثل ما أمر به، وليس فيها دلالة على وجوب القضاء.

  فإن قيل: فقد قال الله تعالى في ذم المشركين: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ٣١}⁣[القيامة]، وعنهم أنهم يقولون: {لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣}⁣[المدثر]، فدل ذلك على أن الصلاة واجبة عليهم.

  قيل لهم: نحن لا ننكر أنهم يستحقون العقاب على تركهم هذه العبادات مع ما يستحقونه من العقاب على الشرك، وليس فيها دلالة على وجوب القضاء، ولا دليل أيضاً في وجوب الشيء على أن قضاءه إذا فات يكون واجباً؛ إذ القضاء فرض ثان يحتاج إلى دلالة ثانية.

  وليس لهم أن يستدلوا بقول النبي ÷: «من نسي صلاةً أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» بأن يقول: قد يكون النسيان اسماً للترك، فكل من ترك الصلاة لزمه قضاؤها، وذلك أن النسيان يستعمل في الترك على سبيل المجاز، والمجاز لا يدخل في اللفظ مع الحقيقة إلا بدلالة، على أن قوله: «فليصلها إذا ذكرها» يدل على أنه أراد النسيان في الحقيقة دون الترك.

  فإن احتجوا بما روي عن أبي بكر أنه قال بحضرة المهاجرين والأنصار في أهل الردة: «لو منعوني عقالاً مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله ÷ لقاتلتهم» وقالوا: إن هذا يدل على وجوب الزكاة على المرتد، وأنه مطالب بها.

  قيل له: قال ذلك لأنهم أصروا على ألا يؤدوها في المستقبل، وذلك مما يجب أن يقاتلوا عليه بعد الإسلام.