شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الزكاة

صفحة 34 - الجزء 2

  وليس له أن يقول: إن زكاة الفطر وإن كان في فسحة منها فإنه يضمنها وإن تلف ماله بعد الوجوب وقبل الإمكان، فكذلك سائر الزكوات، وذلك أن زكاة الفطر تجب في الذمة، فالوجوب يكون حاصلاً تلف المال أو لم يتلف، ويكون سبيلها سبيل الدين، والزكاة تجب في المال معيناً؛ لتنصيصه على أن صاحب الزرع عليه أن يخرج عشر زرعه، لا من غيره، وتنصيصه على أن الزكاة تمنع الزكاة، وأن الدين لا يمنعها، فيجب أن يكون سبيلها سبيل الوديعة، وكل ذلك يصحح ما اخترناه من أن الضمان لا يكون إلا بعد التفريط.

  ووجه ما كان يذهب إليه أبو العباس الحسني | أن ترد الزكاة إلى سائر ما يجب من مهر أو دية أو زكاة فطر، فإنه إذا وجب شيء من ذلك ثم تلف المال قبل إمكان الأداء أو بعده يجعله مضموناً، وكذلك الزكاة.

  ويمكنه أن يقول: إن قول يحيى # فيمن سرق ماله ثم ظفر به بعد سنين: إن عليه إخراج زكاته لما مضى من السنين يدل على أنه لا يراعى التفريط؛ لأنه من المعلوم أن صاحبه لم يتمكن من أداء زكاته مع كونه مسروقاً.

  وجوابنا لمن قال ذلك: [أن ذلك]⁣(⁣١) ليس بتضمين؛ ألا ترى أنه لا يضمنه، وإنما يوجب عليه إخراج زكاته إذا وجده؟ لأنه إذا وجده وجده وقدر الزكاة منه مستحق، فعليه أن يخرجه إلى الفقراء والمساكين، من غير أن يضمنه لو لم يجد المال، فأما التضمين فلا يثبت إلا مع التفريط على ما بيناه، وكذلك نقول في المهر والدية: إنهما يجبان في الذمة ابتداء، فلا يجب أن يكون حكم الزكاة حكمهما إذا تلفت، ويجب أن يكون حكم الزكاة حكم الوديعة.

  فأما أبو حنيفة فإنه كان يذهب إلى أنه لا يضمن وإن فرط.

  والأصل فيه: ما بينا من أن حكمه حكم المودع في أنه إذا فرط ضمن،


(١) ما بين المعقوفين من المطبوع.