كتاب الزكاة
  على ذلك في آخر الحديث.
  فإن قيل: إن الخرص ضرب من المخاطرة، وهو من القمار(١)، فيجب أن يكون منسوخاً.
  قيل له: النسخ لا يثبت بمجرد التجويز، على أنه لو كان منسوخاً لم يعمل به بعد النبي ÷، وقد ثبت أن أبا بكر وعمر قد أمرا بالخرص بمحضر جماعة من المهاجرين والأنصار، ولم يرو أن أحداً أنكره، فبطل بذلك قول من ادعى نسخه، على أن النسخ لا يثبت إلا بشرع يوجبه، ولم يرو شرع يقتضيه، فلا وجه للقول به.
  فإن قيل: لو كان الخرص صحيحاً لم يجب الرجوع إلى قول صاحب المال إذا ادعى نقصان الثمر.
  قيل له: لا يمتنع ذلك؛ لأن الخرص دخل رفقاً برب الثمر ليمكنه الانتفاع به، فلم يمتنع أن يسمع قوله إذا ادعى نقصان المال بعد الخرص، على أنه غير محفوظ عن يحيى # أنه يسمع قول رب المال إذا ادعى النقصان بعد الخرص، فلو امتنعنا منه لم نبعد.
  فإن قيل: إن الخرص لو أمكن أن يعلم به مقدار الثمر لجازت القسمة به، وكذلك البيع، ولجاز ذلك والثمار على الأرض.
  قيل له: الخرص يستعمل حيث وردت به السنة، فأما حيث لم ترد به السنة فلا وجه لاستعماله فيه إلا من طريق القياس، وقد أجمعوا على ألا يستعمل في غير ما وردت به، فلم يكن للقياس فيه مساغ. على أنه إذا لم يجز استعماله في مواضع لم يجب ألا يجوز استعماله حيث استعمله النبي ÷ وأصحابه من بعده.
  فإن قيل: الخرص هو رجوع إلى الظن، والظن يصيب ويخطئ، وليس له أصل يرجع إليه.
(١) في المخطوطات: الضمان. وهو تصحيف.