باب القول في زكاة الذهب والفضة
  وأيضاً لا خلاف أن من جعل ثلث ماله أو ربعه أو جزءاً منه للفقراء يصير ذلك مستحقاً لهم، فكذلك قدر الزكاة، والمعنى أنه جزء معلوم من مال معلوم جعل للفقراء، فوجب أن يستحقوه.
  فإن قيل: فقولكم هذا يؤدي إلى أن يزول ملك المالك عن المال بمضي الزمان؛ لأن قدر الزكاة عندكم يصير مستحقاً للفقراء بحول الحول، وهذا مما لا يوجد في الأصول.
  قيل له: قد وجد ذلك في الأصول؛ ألا ترى أن رجلاً لو قال لعبده: «إذا انقضت السنة فأنت حر» لكان ملكه يزول عنه بانقضاء السنة؟ على أن ذلك لو لم نجده في الأصول لكان لا يمتنع القول به إذا قام الدليل عليه.
  فإن قيل: لو كان ذلك مستحقاً للفقراء لكان لهم أن يأخذوه بغير إذن صاحب المال.
  قيل له: لا يجب ذلك؛ ألا ترى أن الفقراء يستحقون ما يوصى لهم به من الثلث أو دونه ومع ذلك فليس لهم أن يأخذوه من المال إلا بإعطاء الوصي أو بحكم الحاكم؟ فكذلك الزكاة، على أن أحد الشريكين لا يقاسم صاحبه إلا برضاه أو بحكم الحاكم، وهذا لا يمنع أن يكون نصيب كل واحد منهما في المشترك فيه ملكاً له.
  فإن قيل: لو كان ذلك مستحقاً لهم لوجب أن يكون المستَحَق معيناً، وأن يكون الذي يستحقه معيناً.
  قيل له: هذا فاسد بالوصية، وبالرجل يجعل جزءاً معلوماً من ماله للفقراء.
  فإن قيل: لو كان ذلك مستحقاً لم يجب أن يكون تعيينه موقوفاً على اختيار رب المال.
  قيل له: هذا أيضاً فاسد بمن يجعل جزءاً معلوماً من ماله للفقراء؛ لأنه يصير مستحقاً لهم، ويكون تعيينه موقوفاً على اختيار رب المال.