باب القول في زكاة المواشي
  قيل له: نحن عللنا لجواز أخذ ذلك على بعض الوجوه، ولا نعلل لإيجاب(١) أخذه في كل موضع، فلا تنتقض علتنا بما ذكرتم؛ ألا ترى أن مخالفنا لا يجوز أخذ السخلة فقط على وجه من الوجوه، فإذا ثبت أنها مأخوذة على بعض الوجوه ثبت ما ذهبنا إليه. على أن ما ذكرت يؤخذ منه ابنة مخاض، ثم يكلف تفاوت ما بينها وبين ابنة لبون.
  فإن قيل: في حديث سويد بن غفلة أن مصدقاً لرسول الله ÷ قال: «في عهدي ألا آخذ من راضع لبن».
  قيل له: يحتمل أن يكون المراد به إذا كانت الأمهات مع السخال، على أن ظاهر الخبر منع أن يكون راضع لبن مأخوذاً منه، ولم يمنع أن يكون مأخوذاً، فلا وجه للتعلق به في هذا الموضع.
  فإن قيل: روي عن عمر أنه قال: «اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها»، حتى قال السعاة لعمر: إن أهل الأموال يتظلمون منا وينسبوننا إلى الحيف؛ بأنا نعتد عليهم بالسخلة ولا نأخذها، فقال: قد تركنا لهم الربى(٢) والماخض(٣) والأكولة وفحل الغنم(٤). فدل ذلك على أن السخلة لا تؤخذ.
  قيل له: هذا لا يصح التعلق به من وجهين: أحدهما: أنه قال: قد تركنا لهم الربى والماخض والأكولة والفحل، فدل ذلك على أن قوله: ولا تأخذها - يعني: السخلة - خرج على السخلة التي معها سواها.
  والثاني: قول السعاة: إن أرباب الأموال يتظلمون منا وينسبوننا إلى الحيف، وفي ذلك أن قول عمر قد أنكر وخولف، وإذا كان هذا هكذا لم يصح الاحتجاج به.
(١) في (أ، ج، د): بإيجاب.
(٢) الربَّى: التي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن. وقيل: هي الشاة القريبة العهد بالولادة. (نهاية ٢/ ١٨٠).
(٣) الماخض: هي التي أخذها المخاض لتضع. والمخاض: الطلق عند الولادة. (نهاية ٤/ ٣٠٦).
(٤) أخرج نحوه عبدالرزاق في المصنف (٤/ ١١).