شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الزكاة

صفحة 127 - الجزء 2

  رسول الله ÷ مستأمنين.

  وفي الحديث أن العباس لما سار لقي أبا سفيان، فقال له: ما وراءك؟ قال العباس: رسول الله ÷ ورائي، قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف من المسلمين⁣(⁣١).

  فلولا أنه ÷ كان يسير لحربهم لم يكن لقول العباس #: «قد جاءكم بما لا قبل لكم به» معنى، فقال أبو سفيان: فما تأمرني؟ فقال له العباس: تركب عجز هذه البلغة فأستأمن لك إلى رسول الله ÷، فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك.

  فكيف يقول ذلك لرجل يكون عظيم قوم بينهم وبين النبي ÷ صلح منعقد؟

  وفي الحديث أنه ركب وسار به العباس حتى مر به على عمر، فقال له: الحمد لله الذي مكن منك من غير عقد ولا عهد.

  وهذا تصريح بأنه لم يكن عقد باق، وكل ذلك يدل على أن الصلح الواقع بالحديبية كان منتقضاً، ولم يرو في شيء من الأخبار أنه عقد صلحاً آخر بعد ذلك الصلح.

  ثم مما يدل على أنه ÷ دخل مكة حرباً قوله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن»، فلو كان القوم آمنين بالصلح لم يكن لتخصيص هؤلاء بالأمان معنى.

  يدل على ذلك: ما روى لنا بإسناده أبو بكر المقرئ، عن الطحاوي، أن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت رجلين من أحمائها بني مخزوم، فدخل عليها أخوها علي # فأراد قتلهما، فجاءت أم هانئ إلى النبي ÷ وعرفته ذلك، فقال: «قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت»⁣(⁣٢).

  فلو كان هناك صلح لم يطلب علي # دمهما، ولأنكر النبي ÷ ذلك


(١) تاريخ الطبري (٢/ ١٥٧).

(٢) شرح معاني الآثار (٣/ ٣٢٣).