كتاب الزكاة
  والرصاص وما يجري مجراهما، على ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه؟
  قيل له: علتنا أولى من علتكم؛ لأنها تشتمل على علتكم وتفيد فائدتها، وتزيد فوائد أخر، على أنها لو لم تفد إلا فائدة علتكم لكنا نقول بالعلتين؛ إذ لا تنافي بين موجبيهما، على أن التعليل بكونه مما يتمول أولى من التعليل بكونه مما ينطبع؛ لأنا وجدنا الحقوق تتعلق بالتمول، ولها تأثير في تعلق الحقوق به، والانطباع لا تتعلق الحقوق به، ولا تأثير له في ذلك، فما له تأثير في تعلق الحقوق به أولى بالتعليل مما لا تأثير له فيه، وهذا كما نقول: إن التعليل لتحريم التفاضل بالكيل أولى منه بالأكل؛ لأن الكيل له تأثير في التحليل والتحريم، ولا تأثير للأكل فيه.
  فإن قيل: فنحن نقيسه على الماء والحجر؛ بعلة أنه(١) لا ينطبع.
  قيل له: ما ذكرناه أخيراً من التأثير لترجيح علتنا يرجحها على هذه العلة كما يرجحها على الأولى، على أن الماء والحجر مما يشهد لعلتنا؛ ألا ترى أنهما لما لم يتمولا غالباً لم يجب فيهما الخمس.
  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه قال: «ليس في الحجر زكاة»(٢).
  قيل له: كذلك نقول، وما أوجبناه فيما تقدم ليس بزكاة؛ ألا ترى أنا لا نجعل مصرفها مصرف الزكوات، على أنه يمكن الاستدلال بقوله: «في الركاز الخمس» في جميع ذلك؛ لأنا قد بينا أن الركاز اسم لكل ما يغيب في الأرض، سواء غيبه الله تعالى أو غيبه الناس، وكل ذلك مما هو مغيب في الأرض.
  فإن قيل: ما يخرج من البحر ليس بمغيب في الأرض.
  قيل له: هو مغيب فيها، وإن كان الماء زاده(٣) تغييباً.
  فإن قيل: ربما رمى البحر بالدر وما أشبهه.
(١) في (د): أنها.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٢٤٥) بلفظ: لا زكاة في حجر.
(٣) في (ب، ج): زادها.