معجم مقاييس اللغة،

ابن فارس (المتوفى: 395 هـ)

عرق

صفحة 284 - الجزء 4

  فيَفسُد. وأمّا عَرَقُ القِرْبة في قوله: «جَشِمْتُ إليك عَرَق القِربة⁣(⁣١)» فمعناه فيما زعم يونس: عطيّة القربة، وهو ماؤها، كأنَّه يقول: جَشِمت إليك حتَّى سافرتُ واحتجتُ إلى عَرَق القربة في الأسفار، وهو ماؤها. ويقال: عَرِق لهُ بكذا، كأنّه تنَدَّى له وسَمَح. قال:

  سأجعَلُه مكانَ النُّون مِنِّى ... وما أُعْطِيتُهُ عَرَقَ الخِلالِ⁣(⁣٢)

  يقول: لم أُعْطَهُ عطيَّةَ مودّة، لكنَّه أخذْتُه قسراً. والنُّون: السَّيف.

  وقال بعضهم: جَشِمْتُ إليك حَتَّى عرِقتُ كعرق القِرْبة، وهو سَيَلان مائها.

  وقال قوم: عَرَق القِربة أنْ يقول: تكلَّفتُ لك ما لا يبلغُه أحدٌ حتى تجشَّمت ما لا يكون؛ لأنَّ القِربة لا تَعْرَق، يذهب إلى مِثْلِ قولهم: «حتَّى يشِيب الغُراب».

  وكان الأصمعىُّ يقول: عَرَق القِرْبة كلمةٌ تدلُّ على الشِّدَّة، وما أدرى ما أصلُها وقال ابنُ أبى طَرَفة: يقال لَقِيتُ من فُلانٍ عَرقَ القِرْبة، أي الشِّدّة. قال:

  وأنشد الأحمر:

  ليست بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وعَفْوُها ... عَرَقُ السِّقاء على القَعُود اللّاغِبِ⁣(⁣٣)

  يمدح رجلًا يسمع الكلمةَ الشديدةَ فلا يأخُذ صاحبَها بها.


(١) في حديث عمر: «ألا لا تغالوا صدق النساء فإن الرجال تغالى بصداقها حتى تقول: جشمت إليك عرق القربة». اللسان (عرق).

(٢) البيت للحارث بن زهير العبسي، يصف سيفاً له يسمى «النون». وفي الأصل: «عنى» بدل «منى»، صوابه في اللسان (عرق، نون) والمجمل (عرق). قال ابن برى: صواب إنشاده «ويخبرهم مكان النون منى»، لأن قبله:

سيخبر قومه حنش بن عمرو ... إذا لاقاهم وابنا بلال.

(٣) البيت لابن أحمر الباهلي، كما في اللسان (عرق). وفي اللسان: «وعفوها» بالفاء.