معجم مقاييس اللغة،

ابن فارس (المتوفى: 395 هـ)

رأيه في النقد:

صفحة 15 - الجزء 1

رأيه في النقد:

  وابن فارس يلم أيضاً بالحياة الأدبية في عصره، ولا يتزمّت كما يتزمّت كثير من اللغويين الذين ينصرفون عن إِنتاج معاصريهم ولا يقيمون له وزناً، فهو يصغى إلى نشيدهم ويروى لكثير منهم، وينتصر للمحسن وينتصف له من المتعصبين الجامدين، الذين يزيِّفون شعر المحدَثين ويستسقطونه.

  وإِليك فصلًا من رسالة له كتبها لأبى عمرو محمد بن سعيد الكاتب⁣(⁣١)؛ لتستبينَ مذهبه ذلك، وتلمس أسلوبه الفنى الأدبي:

  «ألهمك اللَّه الرشاد، وأصْحَبَك السداد، وجنَّبك الخلافَ، وحبب إِليك الإِنصافَ. وسبب دعائي بهذا لك إنكارك على أبى الحسن محمد بن علي العجلي تأليفه كتاباً في الحماسة وإعظامُك ذلك. ولعله لو فعل حتى يُصيبَ النرض الذي يريده، ويَرِد المنهل الذي يؤمُّه، لَاستدركَ من جيّد الشعر ونقيِّه، ومختاره ورضيِّه، كثيراً مما فات المؤلِّف الأول. فماذا الإنكار، ولَمه هذا الاعتراضُ، ومن ذا حَظَر على المتأخِّر مضادَّة المتقدِّم، ولمه تأخذ بقول من قال: ما ترك الأول للآخر شيئاً، وتدع قول الآخر:

  ... كم ترك الأوَّل للآخِر ...

  وهل الدُّنيا إلا أزمان، ولكل زمان منها رجال. وهل العلوم بعد الأصول المحفوظة إِلا خطرات الأوهام ونتائج العقول. ومَن قصر الآداب على زمانٍ


(١) يتيمة الدهر (٢: ٢١٤ - ٢١٨).