معجم مقاييس اللغة،

ابن فارس (المتوفى: 395 هـ)

حذقه باللغة وتأليفه كتاب المقاييس:

صفحة 23 - الجزء 1

  من جنس العلم الذي يتعاطاه، فإن وجده بارعاً جَدِلًا جَرَّه في المجادلة إلى اللغة فيغلبه بها. وكان يحثُّ الفقهاء دائماً على معرفة اللغة، ويلقى عليهم مسائل ذكرها في كتاب سماه فتيا فقيه العرب، ويخجلهم بذلك؛ ليكون خجلهم داعياً إلى حفظ اللغة. ويقول: من قصر علمه في اللغة وغولط غلط».

حذقه باللغة وتأليفه كتاب المقاييس:

  على أن ابن فارس في كتابِه هذا «المقاييس»، قد بلغ الغاية في الحذق باللغة، وتكنُّه أسرارها، وفهم أصولها؛ إذ يردُّ مفرداتِ كلِّ مادة من مواد اللغة إلى أصولها المعنوية المشتركة فلا يكاد يخطئه التوفيق. وقد انفرد من بين اللغويين بهذا التأليف، لم يسبقه أحدٌ ولم يخلُفْه أحَد. وأرى أن صاحبَ الفضل في الإيحاء إليه بهذه الفكرة العبقرية هو الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد⁣(⁣١)؛ إذ حاول في كتاب «الاشتقاق» أن يرد أسماء قبائل العرب وعمائرها، وأفخاذها وبطونها، وأسماء ساداتها وثُنيانها، وشعرائها وفرسانها وحكامها، إلى أصول لغوية اشتُقَّت منها هذه الأسماء. ويقول ابن دريد في مقدِّمة الاشتقاق: «ولم نتَعدَّ ذلك إلى اشتقاق أسماء صنوف النامي من نبات الأرض نجمِها وشجرِها وأعشابها ولا إلى الجماد من صخرها ومَدَرها وحَزْنها وسهلها؛ لأنا إن رُمْنا ذلك احتجنا إلى اشتقاق الأصول التي تشتق منها. وهذا ما لا نهاية له».

  ومما هو بالذكر جدير، أن ابن فارسٍ كان يتأسّى بابن دريد في حياته العلمية والأدبية والتأليفية، وهو بلا ريب قد اطَّلع على هذه الإشارة من ابن دريد،


(١) ولد ابن دريد بالبصرة سنة ٢٢٣ وتوفى بعمان سنة ٣٢١.