ولوعه باللغة:
  والناظر في كتاب المقاييس، يلمس من ابن فارس حرصَه على إيراد الصَّحيح من اللغات، ويري أيضا صدق تحرّيه، وتحرّجَه من إثبات ما لم يصحّ. وهو مع كثرة اعتماده على ابن دريد، ينقد بعض ما أورده في كتابه «الجمهرةِ» من اللغات، ويضعه على محك امتحانه وتوثيقه، فإذا فيه الزيف والرَّيب(١).
ولوعه باللغة:
  وقد بلغ من حبه للغة وعشقه لها، أن ألَّف فيها ضروباً من التأليف، وكان يستحث عزيمة معاصريه من الفقهاء أن ينهضوا بتعرُّف اللغة والتبحر فيها، وألف لهم فناً من الإلغاز سماه «فتيا فقيه العرب»، يضع لهم مسائل الفقه ونحوَها في معرض اللغة. ولعل الإمام الشافعي أول من عرف بهذا الضرب من المعاياة اللغوية الفقهية(٢).
  قال السيوطي، عند الكلام على فتيا فقيه العرب: «وقد ألف فيه ابن فارس تأليفاً لطيفاً في كراسة، سماه بهذا الاسم. رأيته قديماً وليس هو عندي الآن».
  وقد أجمع المترجمون لابن فارس على أن الحريري في المقامة الثانية والثلاثين (الطَّيْبيَّة) قد اقتبس من ابن فارسٍ ذلك الأسلوب، في وضع المسائل الفقهية بمعرض اللغة.
  ويصوِّر لنا القفطي في إنباه الرواة صدق دعوته للغة بقوله: «وإذا وجد فقيهاً، أو متكلماً، أو نحوياً، كان يأمر أصحابه بسؤالهم إياه، ويناظره في مسائل
(١) انظر المقاييس (جعم ٤٦١ س ١٠ - ١١، ٤٦٢ س ١ - ٢) و (حلز س ١ - ٢) وص ٤٦٤ س ٥ - ٦.
(٢) انظر نماذج شتى من فتياه في نهاية الجزء الأول من مزهر السيوطي. على أن من أقدم من ألف في فن الإلغاز اللغوي، ابن دريد، وكتابه «الملاحن» قد طبع في القاهرة ١٣٤٧ بالمطبعة السلفية.