معجم مقاييس اللغة،

ابن فارس (المتوفى: 395 هـ)

رأيه في النقد:

صفحة 16 - الجزء 1

  معلوم، ووقفها على وقت محدود؟! ولمه لا ينظر الآخر مثلما نظر الأوَّل حتى يؤلف مثلَ تأليفه، ويجمع مثل جمعه، ويرى في كل مثل رأيه. وما تقول لفقهاء زماننا إذا نزلت بهم من نوادر الأحكام نازلة لم تخطر على بال مَن كان قبلهم. أو ما علمت أن لكل قلب خاطراً، ولكل خاطر نتيجة. ولمه جاز أن يقال بعد أبي تمام مثل شعره ولَمْ يجزُ أن يؤلف مثلُ تأليفه. ولمه حجرت واسعاً وحظرت مباحاً، وحرمت حلالًا وسددتَ طريقاً مسلوكاً. وهل حبيبٌ إلا واحد من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. ولمه جاز أن يُعارَض الفقهاء في مؤلفاتهم، وأهل النحو في مصنفاتهم، والنّظار في موضوعاتهم، وأرباب الصناعات في جميع صناعاتهم، ولم يجز معارضة أبى تمام في كتابٍ شذ عنه في الأبواب التي شرعها فيه أمرٌ لا يدرك ولا يدرى قدره.

  ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير، ولذهَب أدب غزير، ولضلت أفهام ثاقبة، ولكلَّتْ ألسنٌ لِسنة، ولما توشَّى أحد بالخطابة، ولا سلك شعباً من شعاب البلاغة، ولمجت الأسماع كل مردود مكرر، ولَلَفظت القلوب كل مرجَّع ممضَّغ. وحَتَّامَ لا يسأم:

  ... لو كنتُ من مازن لم تستبح إبلي ... ... ... صفَحْنا عن بَنى ذَهل ...

  وإلى متى ولمه أنكرت على العجلىّ معروفاً، واعترفت لحمزة بن الحسين ما أنكره على أبى تمام، في زعمه أن في كتابه تكريراً وتصحيفاً، وإيطاءً وإِقواءً، ونقلا لأبياتٍ عن أبوابها إِلي أبوابٍ لا تليق بها ولا تصلح لها؛ إلى ما سوى ذلك من روايات مدخولة، وأمور عليلة. ولمه رضيت لنا بغير الرضى، وهلا حثثت على إثارة ما غيبته الدهور، وتجديد ما أخلقته الأيام، وتدوين ما نُتِجته خواطر هذا الدَّهر،