2 - ابن فارس الأديب
  وأفكار هذا العصر. على أن ذلك لو رامه رائم لأتعبه، ولو فعله لقرأتَ ما لم ينحط عن درجة من قبله، مِن جدٍّ يروعك، وهزل يروقك، واستنباط يعجبك، ومزاحٍ يُلهيك.
  وكان بقزوين رجل معروف بأبى حامد الضرير القزويني، حضر طعاما وإلى جنبه رجل أكون، فأحسَّ أبو حامد بجودة أكله فقال:
  وصاحب لي بطنه كالهاويه ... كأن في أمعائه معاوية(١)
  فانظر إلى وجازة هذا اللفظ، وجودة وقوع الأمعاء إلى جنبِ معاوية.
  وهل ضر ذلك أن لم يقله حماد عجرد وأبو الشمقمق. وهل في إثبات ذلك عار على مثبته، أو في تدوينه وصمة على مدوِّنه.
  وبقزوين رجل يعرف بابن الرياشي القزويني، نظر إلى حاكم من حكامها من أهل طبرستان مقبلا، عليه عمامة سوداء وطيلسان أزرق، وقميص شديد البياض، وخُفٌّ أحمر، وهو مع ذلك كله قصير، على برذون أبلقَ هزيل الخلق، طويل الحلق، فقال حين نظر إليه:
  وحاكمٍ جاء على أبلقِ ... كعَقعَقٍ جاء على لَقلقِ
  فلو شهدت هذا الحاكم على فرسه لشهدتَ للشاعر بصحَّة التشبيه وجودة التمثيل، ولعلمت أنه لم يقصر عن قول بشار:
  كأن مثار النقع فوق رؤوسهم ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
  فما تقول لهذا. وهل يَحسن ظلمه، في إِنكار إِحسانه، وجحود تجويده.
  وأنشدني الأستاذ أبو علي محمد بن أحمد بن الفضل، لرجل بشيراز يعرف
(١) المعاوية: الكلبة التي تعاوى الكلاب وتنابحها، وبها سمى الرجل.