تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أ]:

صفحة 361 - الجزء 20

باب الألف اللينة

  قال شيْخُنا: هي صفَةٌ كاشِفَةٌ لأنَّ القَصْدَ هنا الألِفُ التي هي مِن حُرُوفِ المدِّ واللِّين، ويقالُ لها: الألِفُ الهاوِيَةُ، وهي التي لا تَقْبَل الحركاتِ بل ساكِنَة دائماً هَوائِيَّة، واحْتَرز بذلكَ عن الهَمْزةِ فإنَّها عِبارَةٌ عَمَّا يَقْبَل الحَركاتِ وقد أَشَرْنا إلى أنَّ هذا اصْطِلاحٌ للمُتأَخِّرين كما نبَّه عليه ابنُ هِشام وغيرُه، وقاعِدَتُه أنَّ البابَ يكونُ لآخرِ الكَلمةِ، وهو في هذا البابِ غالِبٌ عنْدَه لا لازِمٌ، كما أنَّ الألِفَ اللَّيِّنَةَ إنَّما تصحُّ في الآخِرِ لا الأوَّلِ. وقد ذُكِرَ في هذا البابِ كلماتٌ أَوائِلُها هَمْزة وآخِرُها ليسَ كَذلكَ، كإذْ مَثَلاً فِذْكُر هنا ليسَ مِن هذا البابِ بِاعْتِبارِ اصْطِلاحِه، بل مَوْضِعه الذَّال المُعْجمة، وقد أَشارَ إليه هناكَ؛ ومِثْل أولو فإنَّ آخِرَه واوٌ ساكِنَةٌ وذِكْره هنا باعْتِبار أَوَّله فلم يَبْقَ له ضابِط. وكالألِفاتِ المُفْردَةِ التي لم تركبْ مع شيءٍ فإنَّ أَكْثَرها مُتحرِّكٌ ولا زائِدَ عليه فاعْتُبِر أَوَّلُه، وهكذا فاعْرِف ذلك. وفيه غَيْر ذلك في بَقِيَّة الحُروفِ يَحْتاجُ الكَشْفُ عنه إلى تأَمّل ودِقَّةً نَظَرٍ، انتَهَى.

  * قُلْت: وقد يجابُ عن المصَنِّفِ بأنَّه لم يَذْكُرْ إذْ إلَّا اسْتِطْراداً في إذا، ويدلُّكَ على ذلكَ أنَّه لم يُفْرِد له تَرْكِيباً، وقد ذَكَرَه في الذالِ المُعْجمة مَبْسوطاً. وأمَّا أولو فإنَّما ذَكَرَه لمُناسَبَتِه بأُولا كهُدًى في كَوْن كل واحِدٍ منهما جَمْعاً لا واحِدَ له، ويدلُّكَ على ذلك أنَّه ذَكَرَه في اللَّامِ مُفَصّلاً، مع أنَّ الجَوْهرِي ذَكَرَ كُلًّا مِن إذ وأَولا، وإنَّما هو نظرٌ لما قُلْنا وكفى به قُدْوَة، فتأَمَّل.

  وفي الصِّحاح: الألِفُ على ضَرْبَيْن: لَيِّنَةٌ ومُتَحرِّكةٌ، فالليِّنَةُ تُسَمَّى أَلفاً، والمُتحرِّكَةُ تُسَمَّى هَمْزةً، وقد ذَكَرْنا الهَمْزةَ، وذَكَرْنا أَيْضاً ما كانتِ الألِفُ فيه مُنْقلِبَة عن⁣(⁣١) الواوِ أَو الياءِ، وهذا الباب مَبْني على أَلفاتٍ غَيْر مُنْقلباتٍ عن شيءٍ فلهذا أَفْرَدْناه، انتهى.

  وقال ابن برِّي: الألِفُ التي هي أَحَدُ حُروفِ المدِّ واللِّين لا سَبِيلَ إلى تَحْريكِها، على ذلكَ اجْتِماعُ النّحويِّين، فإذا أَرادُوا تَحْريكَها رَدُّوها إلى أصْلِها في مِثْل رَحَيان وعَصَوان؛ وإن لم تَكُن مُنْقلِبَةً عن واوٍ ولا ياءٍ وأَرادُوا تَحْريكَها أَبْدلُوا منها هَمْزة في مِثْل رِسالَةٍ ورَسائِل، فالهَمْزةُ بدلٌ مِن الألفِ وليسَتْ هي الألِف، لأنَّ الألفَ لا سَبِيل، إلى تَحْريكِها، والله أَعْلَم.

  [أ]: أحَرْفُ هِجاءٍ مَقْصورَة مَوْقوفَةٌ، ويُمَدُّ إنْ جَعَلْته اسْماً، وهي تُؤَنَّث ما لم تُسَم حرفاً؛ كذا في الصِّحاح.

  وفي المُحْكم: الألفُ تأْلِيفها مِن هَمْزةٍ ولامٍ وفاءٍ، وسُمِّيت أَلفاً لأنَّها تأْلفُ الحُروفَ كُلَّها، وهي أَكْثر الحُروفِ دُخولاً في المَنْطقِ، وقد جاءَ عن بعضِهم في قولهِ تعالى: {الم}، أنَّ الألفَ اسْمٌ مِن أَسْماءِ الله تعالى، والله أَعْلَم بما أَرادَ. والألفُ الليِّنَةُ لا حَرْفَ⁣(⁣٢) لها إنَّما هي جَرْسُ مدَّة بعْدَ فَتْحةٍ وآ، بالمدِّ: حَرْفٌ لنِداءِ البَعِيدِ، تقولُ: آ زَيْد أَقْبِلْ.

  وقال الجَوْهرِي: وقد يُنادَى بها، تقولُ: أَزَيْدُ أَقْبِلْ إلَّا أَنَّها للقَرِيبِ دُونَ البَعِيدِ لأنَّها مَقْصورَةٌ.

  وقال الأزْهري: تقولُ للرَّجُلِ إذا نادَيْتَه: آ فلانٌ وأَ فلانٌ وآيا فلانٌ، بالمدِّ، انتَهَى.

  ورَوَى الأزْهري عن أَبي العبَّاس أَحمدَ بنِ يَحْيَى ومحمدِ بن يزيد قالا: أُصُولُ الألِفاتِ ثلاثَةٌ وتَتْبَعُها الباقِياتُ:


(١) في الصحاح: منقلبة من الواو والياء.

(٢) في اللسان: «صرف» والأصل كالتهذيب.