تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أبب]

صفحة 293 - الجزء 1

بَابُ البَاء

  وهي من الحروف المَجْهُورَةِ، ومن الحروف الشَّفَوِيَّةِ، وسُمِّيَتْ بها لأَن مَخْرجَهَا من بين الشفتين، لا تعمل الشفتانِ في شيء من الحروف إِلا فيها، وفي الفاء والميم، وقال الخليل بن أَحمد: الحُرُوفُ الذُّلْقُ والشفوية: سِتَّةٌ⁣(⁣١): يَجْمَعُهَا قولك: «رُب مَنْ لَفَّ» ولسُهُولَتِهَا في المَنْطِق كَثُرَت في أَبْنِيَة الكَلَام، فليس شيء من بِنَاء الخُمَاسِيّ التامِّ يَعْرَى منها، أَو من بعضها، فإِذا ورد عليك خُمَاسِيٌّ مُعْرًى من الحروف الذُّلْقِ والشفويّة فاعلم أَنه مُوَلَّدٌ، وليس من صَحِيحِ كَلَامِ العربِ، وقال شيخنا: إِنها تقلب مِيماً في لغة مَازِنٍ، كما قاله أَهل العربية.

فصل الهمزة مع الباء

  [أبب] الأبُّ: الكَلأُ، وهو العُشْبُ رَطْبُه ويَابسُه، وقد مَرَّ أَو المَرُعَى كما قاله ابن اليَزِيدِيِّ، ونقله الهَرَوِيُّ في غَرِيبه، وعليه اقْتَصَرَ البَيْضَاوِيُّ والزمخشريُّ، وقال الزَّجَّاجُ: الأَبُّ: جميعُ الكَلإِ الذي تَعْتَلِفُهُ المَاشِيَةُ، وفي التنزيل العزيزِ {وَفاكِهَةً وَأَبًّا}⁣(⁣٢) قال أَبو حَنِيفَةَ: سَمَّى اللهُ تعالى المَرْعَى كُلَّه أَبًّا، قال الفَرَّاءُ: الأَبُّ ما تأْكُلُه الأَنْعَامُ، وقال مُجَاهِدٌ: الفَاكِهَة: ما أَكلَهُ الناسُ، والأَبُّ: ما أَكَلَتِ الأَنْعَامُ، فالأَبُّ مِن المَرْعَى للدوابِّ كالفاكهة للإِنْسَانِ، قال الشاعر:

  جَذْمُنَا قَيْسٌ ونَجْدٌ دَارُنَا ... ولَنَا الأَبُّ بِهِ والمَكْرَعُ

  أَو كُلُّ مَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ أي ما أَخرجته من النبات، قاله ثعلب، وقال عطاء: كل شيءٍ ينبتُ على وجهِ الأَرضِ فهو الأَبُّ والخَضِرُ⁣(⁣٣) من النبات، وقيل التِّبْنُ، قاله الجَلَالُ، أَي لأَنه تأْكله البهائم، هكذا في النسخ، والخَضِرُ كَكَتِف، وعليه شرح شيخنا، وهو غَلَطٌ، والصواب: الخَصِرُ، بالصاد المُهْمَلَةِ الساكنة، كما قَيَّدهُ الصاغانيّ، ونسبه لهُذَيْلِ، وفي حديث أَنس، أَن عُمَرَ بنَ الخطابِ، ®، قرأَ قوله ø {وَفاكِهَةً وَأَبًّا} وقال: فما الأَبُّ: ثمَّ قال: ما كُلِّفْنَا أَو مَا أُمِرْنَا بهذا. والأَبُّ: المَرْعَى المُتَهَيِّئُ للرَّعْي والقَطْعِ، ومنه حديث قُسِّ بنِ ساعدةَ «فَجَعَلَ يَرْتَعُ أَبًّا وأَصيدُ ضَبًّا» وفي الأَساس: وتقول: فُلَانٌ رَاعَ لَهُ الحَبُّ وَطَاعَ لَهُ الأَبُّ. أَي زَكَا زَرْعُه واتَّسَع مَرْعَاهُ.

  والأَبُّ، بالتشديد: لُغَةٌ في الأَبِ، بالتخفيف بمعنى الوَالِد، نقله شيخنا عن ابن مالك في التسهيل. وحكاه الأَزهريّ في التهذيب وغيرهما، وقالوا: اسْتَأْبَبْتُ فلاناً، ببائَيْنِ، أَيِ اتَّخَذْتُه أَباً. نَبَّه على ذلك شيخُنا مُسْتَدْرِكاً على المُصَنِّفِ.

  قُلْتُ: إِنَّمَا لم يذكرْه لنُدْرَتِهِ ومخالفتِه للقياس، قال ابنُ الأَعرابيّ: اسْتَئِبَّ أَباً: اتَّخِذْهُ، نَادِرٌ، وإِنما قِيَاسُه اسْتَأْبِ.

  وأَبُّ: د باليَمنِ قال أَبُو سَعْدٍ: بُلَيْدَةٌ باليَمَنِ يُنْسب إِليها أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ الله بنُ الحَسَن بنِ الفَيَّاضِ الهاشِمِيُّ، وقال أَبو طاهر السِّلفيّ: هي بكسر الهمزة، قال: سمعت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ العَزِيز بنَ موسى بنِ مُحَسّن القَلْعِيَّ يقول: سمعت عُمَرَ بنَ عبدِ الخَالِقِ الإِبِّيّ يقول: بَنَاتِي كُلُّهُنَّ حِضْنَ لتِسْعِ سِنِينَ، كَذَا في المُعْجَمِ.

  قُلْتُ: ونُسِبَ إليها أَيضاً الفَقيهُ المُحَدِّث أَبو العباس


(١) وهي: الراء واللام والنون والفاء والباء والميم (عن اللسان).

(٢) سورة عبس الآية ٣١.

(٣) في إحدى نسخ القاموس: والخَضْرُ.