[لا]:
  وقالَ ابنُ برِّي: قد تَأْتي كَلّا بمعْنَى لا، كقولِ الجَعْدي:
  فقُلْت لَهُم(١): خَلُّوا النِّساءَ لأَهْلِها، ... فقالوا لنا: كَلَّا، فقُلْنا لهُم: بَلَى
  [لا]: لا: تكونُ نافِيَةً، أَي حَرْفٌ يُنْفَى به ويُجْحَدُ به، وأَصْلُ ألِفِها ياءٌ عنْدَ قُطْرب حِكايَةً عن بعضِهم أَنَّه قالَ: لا أَفْعَلُ ذلكَ فأمالَ لا.
  وقالَ اللَّيْثُ: يقالُ: هذه(٢) لا مَكْتُوبةٌ، فتَمُدُّها لتتم الكَلِمة اسْماً، ولو صَغَّرْتَ لقُلْتَ: هذه لُوَيَّةٌ مَكْتوبَةٌ إذا كانتْ صَغِيرَة الكتبةِ غَيْر جَلِيلةٍ.
  وحكَى ثَعْلب لَوَّيْتُ لاءً حَسَنَةً عَمِلْتُها، ومَدَّ لا لأنَّه قد صَيَّرها اسْماً، والاسْمُ لا يكونُ على حَرْفَيْن وضعاً، واخْتَار الألِفَ مِن بينِ حُروفِ المَدِّ واللِّين لمَكانِ الفَتْحةِ؛ قالَ: وإذا نَسَبْتَ إليها قلْتَ: لَوَوِيٌّ. وقَصِيدَةٌ لَوَوِيَّةٌ: قافِيَتُها لا.
  وهي على خَمْسةِ أَوْجُهٍ.
  الأوَّل: عامِلَةٌ عَمَلَ إنَّ، وإنَّما يَظْهَرُ نَصْب اسْمِها إذا كانَ خافِضاً نحو: لا صاحِبَ جُودٍ مَمْقوتٌ، ومنه قولُ المُتَنبِّي:
  فلا ثَوْبَ مَجْدٍ غَيْرُ ثَوْبِ ابنِ أَحْمد ... على أَحَدٍ إلَّا بلُؤْمٍ مُرقع(٣)
  أَو رافِعاً نحو: لا حَسَناً فِعْلُه مَذْمومٌ؛ أَو ناصِباً لا طالِعاً جَبَلاً حاضِرٌ؛ ومنه لا خَيْرَ مِن زيْدٍ عنْدَنا؛ وقولُ المتنبِّي:
  قفَا قَليلاً بها عليّ فلا ... أَقَلّ مِن نَظْرةٍ أُزوَّدُها(٤)
  والثَّاني: عامِلَةٌ عَمَلَ ليسَ، وهو نَفْيُ غَيْر العام نحو: لا رَجُل في الدَّارِ ولا امْرأَة، والفَرْقُ بينَ نَفْي العام ونَفْي غَيْر العام أنَّ نَفْيَ العامِ نَفْيٌ للجِنْسِ تقولُ: لا رَجُل في الدارِ أَي ليسَ فيها مِن جِنْسِه أَحَدٌ؛ ونَفْيَ غَيْر العام نَفْيٌ للجُزْءِ فإنَّ قوْلَكَ: لا رَجُل في الدَّارِ ولا امْرأَة، يَجوزُ أَنْ يكونَ في الدَّارِ رَجُلانِ أَو رِجالٌ وامْرأَتانِ أَو نِساءٌ. ولا تَعْمَلُ إلَّا في النّكِراتِ كقولهِ، أَي الشَّاعِر وهو سعْدُ بنُ ناشبٍ، وقيلَ سعْدُ بنُ مالِكٍ يُعَرِّضُ بالحارِثِ ابنِ عبَّادٍ اليَشْكُري وكان قد اعْتَزَلَ حَرْبَ تَغْلب وبَكْر ابْنَي وائِلٍ:
  مَنْ صَدَّ عن نِيرانَها ... فأَنَا ابنُ قَيْسٍ لا بَراح
  (٥) والقَصِيدَةُ مَرْفوعَةٌ وفيها يقولُ:
  بِئْسَ الخِلائِفُ بعدنا ... أَولادُ يَشْكُر واللّقاحِ
  وأَرادَ باللّقاحِ بَني حنيفَةَ وتقدَّمَ للمصنِّفِ في الحاءِ.
  وقَوْلُهم: لا بَراح مَنْصوبٌ كقَوْلهم: لا رَيْبَ، ويَجوزُ رَفْعه فتكونُ لا بمنزلة(٦) ليسَ.
  * قُلْتُ: وهذه عِنْدَهم تُسَمَّى لا التَّبْرِئةِ، ولها وُجُوهٌ في نَصْبِ المفرد والمُبكَرَّ وتَنْوِين ما يُنَوَّن وما لا يُنَوَّن كما سَيَأتي؛ والاخْتِيارُ عنْدَ جمِيعِ النّحويِّين أن يُنْصَبَ بها ما لا يُعادُ فيه كقوله، ø: {الم ١ ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ}(٧)، أَجْمع القُراءُ على نَصْبِه.
  وفي المِصْباح: وجاءَتْ بمعْنَى ليسَ نحو: لا فيها غُول، أَي ليسَ فيها؛ ومنه قولُهم: لا هَاء الله ذَا، أَي ليسَ والله ذَا، والمَعْنى لا يكونُ هذا الأَمْر.
  والثَّالثُ: أنْ تكونَ عاطِفَةً بشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَها إثْباتٌ: كجاءَ زَيْدٌ لا عَمْرٌو؛ أَو أمْرٌ: كاضْرِبْ زَيْداً لا عَمْراً؛ أَو نِداءٌ نحو: يا ابنَ أَخي لا ابنَ عَمِّي. وبشَرْطِ أن
(١) اللسان: «فقلنا لهم».
(٢) في اللسان والتهذيب: «لاءٌ».
(٣) ديوانه ١/ ٤١٢ ومغني اللبيب الشاهد رقم ٤٣٠.
(٤) ديوانه ١/ ١٩٦ ومغني اللبيب الشاهد رقم ٤٣١.
(٥) من شواهد القاموس والشاهد ٤٣٣ من شواهد مغني اللبيب، وضبط فيه براح بالرفع.
(٦) بالأصل: منزلة.
(٧) سورة البقرة، الآية ١ و ٢.