تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[إن]:

صفحة 33 - الجزء 18

  أَنَّ المَفْتوحَة قد تكونُ لُغَةً في لَعَلَّ كقَوْلِكَ: إئْتِ السُّوقَ أَنَّكَ تَشْتَرِي لنا لَحماً أَو سَويقاً، حَكَاه سِيْبَوَيْه.

  قيلَ: ومِنهُ قِرَاءَةُ مَن قَرَأَ: {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}⁣(⁣١).

  قالَ الفارِسيُّ: سأَلْتُ عنها أَبا بكْرٍ أَوانَ القِراءَةِ فقالَ: هو كقَوْلِ الإنْسان إنَّ فلاناً يَقْرَأُ فلا يَفْهَم، فتَقُول أَنْتَ: وما يُدْرِيكَ أَنَّه لا يَفْهَم.

  وفي قِراءَةِ أُبَيِّ: لَعَلّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنون؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لحُطائِطِ بنِ يَعْفُر؛ وقيلَ: هو لدُرَيْدٍ:

  أَرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً لأنَّني ... أَرى ما تَرَيْنَ أَو بَخِيلاً مُخَلَّدا⁣(⁣٢)

  قالَ الجَوْهرِيُّ: وأَنْشَدَه أَبو زيْدٍ لحاتِمٍ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: وهو الصَّحيحُ.

  قالَ: وقد وَجَدْته في شعْرِ مَعْنِ بنِ أَوْسٍ المُزَنيّ.

  قلْتُ: هو في الأَغاني لحُطائِطِ وساقَ قصَّته.

  وقالَ عدِيُّ بنُ زيْدٍ:

  أَعاذِكَ ما يُدْريكِ أَنَّ مَنِيَّتي ... إلى ساعةٍ في اليومِ أَو في ضُحَى الغَدِ؟⁣(⁣٣)

  أَي لَعَلَّ مَنِيَّتي.

  قالَ ابنُ بَرِّي: ويدلُّ على ما ذَكَرْناهُ قوْلُه تعالَى: {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى}⁣(⁣٤)، {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}⁣(⁣٥).

  [إنْ]: إنْ: المكْسورَةُ الخَفيفَةُ لها اسْتِعمالاتٌ خَمْسةٌ:

  الأَوَّل: أَنَّها تكونُ شَرْطيَّةً كقوْلِهِ تعالى: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ⁣(⁣٦)، وقَوْلِه تعالى: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ⁣(⁣٧).

  وفي الصِّحاحِ: هو حَرْفٌ للجَزاءِ يُوقِعُ الثانيَ مِن أَجْلِ وُقوع الأَوَّل كقَوْلِكَ: إنْ تأْتِني اتِك، وإنْ جِئْتني أَكْرَمْتُك؛ انْتَهَى.

  وسُئِلَ ثَعْلَب: إذا قالَ الرَّجلُ لامْرَأَتِه إن دَخلتِ الدَّارَ إنْ كَلَّمتِ أَخاكِ فأنْتِ طالِقٌ، مَتى تَطْلُق؟ فقالَ: إذا فَعَلَتْهما جَمِيعاً، قيلَ له: لِمَ؟ قالَ: لأَنَّه قَدْ جاءَ بشَرْطَيْن، قيلَ له: فإنْ قالَ لها أَنتِ طالِقٌ إنِ احْمَرَّ البُسْرُ؟ فقالَ: هذه مَسْأَلةُ مُحالٍ لأَنَّ البُسْرَ لا بُدَّ أَنْ يَحْمَرَّ، قيلَ له: فإنْ قالَ لها: أَنتِ طالِقٌ إذا احْمَرَّ البُسْرُ؟ فقالَ: هذا شَرْطٌ صَحيحٌ تطلُقُ إذا احْمَرَّ البُسْرُ.

  قالَ الأَزهرِيُّ: وقالَ الشافِعِيُّ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه، فيمَا أُثْبِت لنا عنه: إنْ قالَ الرَّجلُ لامْرَأتِه: أَنْتِ طالِقٌ إن لم أُطَلِّقْكِ لم يَحْنَثْ حتى يُعْلَم أَنَّه لا يُطَلِّقُها بموتِه أَو بموْتِها، قالَ: وهو قولُ الكُوفِيِّين، ولو قالَ: إذا لم أُطَلِّقْك ومَتى ما لم أُطَلِّقْك فأَنْتِ طالِقٌ، فسكَتَ مدَّةً يمكنُه فيها الطَّلاقَ، طَلُقَتْ.

  وقد تَقْتَرِنُ إنْ بِلا فيَظُنُّ الغِرُّ أَنَّها إلَّا الاسْتِثْنائيَّةُ وليسَ كذلِكَ نَحْوُ قوْلِه تعالى: إِلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ⁣(⁣٨)، وقَوْله تعالى: إِلّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ⁣(⁣٩).

  والثَّاني: أَنْ تكونَ نافِيَةً بمعْنَى ما وتَدْخُلُ على الجُمْلَةِ الإِسْمِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ؛ فالاسْمِيَّة نحْو قوْله تعالى: إِنِ الْكافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ⁣(⁣١٠)؛ نَقَلَه الجوْهرِيُّ؛ والفِعْليَّة نحْو: إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى⁣(⁣١١).

  قالَ الجَوْهرِيُّ: ورُبُّمَا جُمِعَ بينَ إنْ وما النافِيَتَيْن للتَّأْكيدِ، كما قالَ الأَغْلَبُ العِجْليُّ:


(١) الأنعام، الآية ١٠٩.

(٢) اللسان.

(٣) اللسان وفيه: «أعاذل».

(٤) عبس، الآية ٣.

(٥) الأحزاب، الآية ٦٣.

(٦) الأنفال، الآية ٣٩.

(٧) الأنفال، الآية ١٩.

(٨) التوبة، الآية ٤٠.

(٩) التوبة، الآية ٣٩.

(١٠) الملك، الآية ٢٠.

(١١) التوبة، الآية ١٠٧.