تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أثف]:

صفحة 77 - الجزء 12

بَابْ الفَاء

  وهو من الحُروفِ المَهْمُوسَةِ والشَّفَوِيَّة.

  قال شيخُنَا: وقد أُبْدِلَتْ مِن الثَّاءِ المُثَلَّثَة في ثُمَّ العاطِفَة، قالوا: جاءَ زيدٌ فُمَّ عمرٌو، كما قالوا: ثُمَّ، ومن الثُّومِ؛ البَقْلَةِ المعروفَةِ، قالوا: فُومٌ، ومن الجَدَثِ بمعنى القَبْرِ، قالوا: جَدَفٌ، وجَمَعُوا فقالُوا: أَجْدَاثٌ، ولم يقولوا: أَجْدَافٌ، فدَلَّ على أنَّ الثاءَ هي الأَصْلُ، كما صَرَّح به ابنُ جِنِّي، وغيرُه.

  قلتُ: وهذا البحثُ أَوْرَدَه الإمامُ أَبُو القاسم السُّهَيْلِيُّ في الرَّوض، وسَنُورِدُه في «ج د ف» إن شاءَ الله تعالى.

فصل الهمزة مع الفاءِ

  [أثف]: الأُثْفِيَّةُ، بِالضَّمِّ ويُكْسَرُ، هكذا ضبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بالوَجْهَيْنِ: الْحَجَرُ الذي تُوضَعُ عَلَيه الْقِدْرُ، قال الأَزْهَرِيُّ: وَما كان من حدِيدٍ سَمَّوْه مِنْصَباً، ولم يُسَمُّوه أُثْفِيَّةً، وفي اللسان: ورأَيْتُ حاشِيةً بخطِّ بعضِ الأَفاضِل، قال أَبو القاسم الزَّمَخْشَرِيُّ: الأُثْفِيَّةُ ذاتُ وَجْهَيْن، تكون فُعْلُويَةً⁣(⁣١) وَأُفْعُولَةً.

  قلتُ: وكَذا نَصُّه في الأَساسِ، وذَكَر اللَّيْثُ أَيْضاً كذلِك، فَعَلَى أَحدِ القَولَيْنِ ذكرَه المُصَنِّفُ في هذا التَّرْكِيبِ، وسيُعِيدُ ذِكْرَه أَيضاً في المُعْتَلِّ، ويَأْتي الكلامُ عَليه هناك.

  ج: أَثافيُّ بالتَّشْديد ويُخَفَّفُ، قال الأَخْفَشُ: اعْتَزَمتِ العربُ أَثَافيَ، أي: أَنهم لم يتكَلَّمُوا بها إلَّا مُخَفَّفَةً، وبالوَجْهَيْنِ رُوِيَ قولُ زُهَيْرِ بن أَبي سُلْمَى:

  أَثَافيَّ سُفْعاً في مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ ... وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحَوْضِ لم يَتَثَلَّمِ⁣(⁣٢)

  ومن المَجَازِ: بَقِيَتْ مِنْ فلانٍ إثْفِيَّةٌ خَشْنَاءُ، أي: العَدَدُ الْكَثِير، والجَماعَةُ من النَّاسِ⁣(⁣٣) وهو بكسر الهمزة، قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ في حديثٍ له: إنَّ في الْحِرْمَازِ اليومَ لَثَفِنَةً إثْفِيَّةً مِن أَثَافي النَّاسِ صُلْبَةً، نصَب إثْفِيَّةً على البَدَل، ولا يكون صِفَةً؛ لأَنها اسْمٌ.

  وثَالِثَةُ الأَثَافي: الْقِطْعَةُ مِنْ الجَبَلِ، يُجْعَلُ إلَى جَنْبِهَا اثْنَتَانِ، فَتَكُونُ الْقِطْعَةُ مُتَّصِلَةً بالْجَبَلِ، وذلِكَ إذا لم يَجِدُوا ثالثةَ الأَثافي، وبه فُسِّرَ قولُهم في المَثَلِ: رَمَاهُ الله بِثَالِثَةِ الأَثَافي أي: بالجَبَلِ، أي: بدَاهِيَةٍ مثلِ الجَبَلِ، قالَه ثَعْلَبٌ، قال خُفَافُ بنُ نُدْبَةَ:

  وَإنَّ قَصِيدَةً شَنْعَاءَ مِنِّي ... إذَا حَضَرَتْ كَثَالِثَةِ الأَثَافي

  وَقال أَبو سعيدٍ: الضَّرِيرُ: معناه أَنَّه رَمَاه بِالشَّرِّ كُلِّهِ، جَعَلَ الشَّرَّ أُثْفِيَّةً بَعْدَ أُثْفِيَّةٍ حتى إذا رَمَاهُ بالثَّالِثَةِ لم يَتْرُكْ منها غَايَةً، وَقال الأَصْمَعِيُّ: معناه رَمَاه بالمُعْضِلاتِ، وقال عَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ - وخَفَّفَ ياءَ الأَثَافيّ -:

  بَلْ كُلُّ قَوْمٍ وإنْ عَزُّوا وإنْ كَثُرُوا ... عَرِيفُهُمْ بِأَثَافي الشَّرِّ مَرْجُومُ

  وَهو مَجَازٌ.


(١) في الأساس: «فعلوَّة وأفعولة» والأصل كاللسان.

(٢) شرح ديوانه ص ٧ برواية:

وَنؤياً كحوض الجدّ لم يتثلّمِ

وَيروى: كحوض الجرّ.

(٣) في القاموس المطبوع: «وجماعةُ الناس».