تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سجد]:

صفحة 6 - الجزء 5

  فَدَيْرُ سُوَى فَسَاتِيدَا فَبُصْرَى ... فَحُلْوانُ المَخَافَةِ فالجِبَالُ

  : اسمُ جَبَل بَيْنَ مَيَّافارِقِينَ وسعرت، قاله أَبو عُبَيْد.

  وأَصله: ساتِيدَ ما وإنما حَذَف الشاعرُ مِيمَه، فينبغي أَن يُذكَرَ هُنا ويُنَبَّهَ على أَصْلِهِ.

  وفي المراصِدِ: قيل هو جَبَلٌ بالهِند، وقيل هو الجبل المُحِيطُ بالأَرضِ، وقيل نَهْرٌ بقُرب أَرْزن، وهذا هو الصحيح.

  وقولهم: إِنه جَبَلٌ بالهند غَلطٌ. وقيل: إِنَّه وادٍ يَنصبُّ إِلى نَهرٍ بينَ آمِدَ ومَيَّافارِقِينَ، ثم يَصُبّ في دِجْلَةَ. قال شيخُنا: وكلامهم صريحٌ في أنه أَعجَمِيُّ اللّفْظِ والمكانِ، فلا تُعْرَفُ مادَّته ولا وَزْنُه. والشعراءُ يَتلاعبون بالكلامِ، على مقتضَى قرائِحِهِم وتَصرُّفاتهم، ويَحذفون بحسَب ما يَعْرِض لهم من الضَّرائِر، كما عُرِفَ ذلك في مَحلّه، فلا يكون في كلامهم شاهدٌ على إِثبات شيْءٍ من الكلمات العَجَمِيّة.

  وقوله: ينبغي أَن يذكر هنا إِلى آخره، بناءً على أَن وزنَه فاعيلَ ما، وأَن مادّته: ستد. وليس الأَمر، كذلك بل هذه المادّةُ مهملةٌ في كلامِهِم، وهذه اللفْظَةُ عَجَمِيَّةٌ لا أَصلَ لهَا، وذِكرُهَا إِن احتاج إِليها الأَمرُ، لوُقوعِهَا في كلام العرب، ينبغِي أَن يكونَ في الميم، أَو في باب المعتَلّ، لأَنّ وَزْنَهَا غيرُ معلوم لنا، كأَصْلِهَا، على ما هو المقرَّرُ المصرَّح به في كلام ابن السرَّاج وغيرِه من أَئِمَّةِ الاشتقاق، وعلماءِ التصريف. انتهى. واللهُ أَعلم.

  [سجد]: سَجَدَ: خَضَعَ، ومنه سُجُودُ الصَّلاةِ، وهو وَضْعُ الجَبْهةِ على الأرض، ولا خُضُوعَ أَعظمُ منه، والاسم: السَّجْدة، بالكسر.

  وسَجَدَ: انتَصَبَ في لُغَة طَيّئٍ قال الأَزهريُّ: ولا يُحْفَظُ لغير الليث، ضِدٌّ.

  قال شيخنا: وقد يقال لا ضِدِّيَّة بين الخُضوع والانتصاب، كما لا يَخْفَى. قال ابن سيده: سَجَدَ يَسجُد سُجُوداً: وَضَعَ جَبْهَتَه على⁣(⁣١) الأَرضِ، وقَوْمٌ سُجَّدٌ وسُجُودٌ. وقال أَبو بكر: سَجَدَ، إِذا انْحَنى وتَطَامَنَ إِلى الأَرضِ.

  وأَسْجَدَ: طَاطَأَ رأْسَهُ [وانحنى]⁣(⁣٢) وكذلك البَعِيرُ، وهو مَجاز. قال الأَسديُّ أَنشده أَبو عُبيدةَ⁣(⁣٣):

  وقُلْنَ له أَسْجِدْ لِلَيْلَى فأَسْجَدَا

  يَعنِي بَعيرَها أَنه طاطأَ رأْسَه لِتَرْكَبه، وقال حُمَيْد بن ثَوْر يَصف نساءً:

  فلَمَّا لَوَيْنَ علَى مِعْصَمٍ ... وَكفٍّ خَضِيبٍ وإِسوارِها

  فُضُولَ أَزِمَّتِها أَسْجَدَتْ ... سُجُودَ النَّصارَى لأَحْبارِهَا

  يقول: لمّا ارْتَحَلْن ولَوِيْن فُضُولَ أَزِمَّةِ جِمالِهِنّ على مَعاصِمِهِنّ أَسْجَدَتْ لَهُنَّ. وسَجَدتْ، إِذا خَفَضَتْ رأْسَها لتُرْكَبَ.

  وفي الحديث: «كانَ كِسْرَى يَسْجُدُ للطَّالعِ» أَي يَتَطَامَنُ ويَنحِني. والطَّالِع: هو السَّهمُ الذي يُجَاوِزُ الهَذَف من أَعلاه، وكانوا يَعُدُّونَه كالمُقَرْطِس، والذي يقع عن يَمينه وشماله يقال له: عاصِدٌ. والمعنى: أَنه كان يُسْلِم لراميه ويَسْتَسْلِم. وقال الأَزهَرِيُّ: معناه أَنه كان يَخفِض رأْسه إِذا شخَص سَهْمُه وارتفعَ عن الرَّمِيَّة، لِيَتَقوَّمَ السَّهمُ فيصيب الدَّارةَ.

  ومن المجاز: أَسجَدَ: أَدامَ النَّظَرَ مع سُكون. وفي الصّحاح: زيادةُ في إِمراضِ - بالكسر - أَجْفَان⁣(⁣٤)، والمرادُ به: النَّظَرُ الدَّالُّ على الإدلال، قال كُثيِّر:

  أَغرَّكِ مني أَنَّ دَلَّكِ عِندَنَا ... وإِسجادَ عينيكَ⁣(⁣٥) الصَّيُودَيْنِ رَابِحُ

  والمَسْجَد، كمَسْكَن: الجَبْهَةُ حيث يُصِيب الرجلَ نَدَبُ السُّجودِ. وهو مَجاز، والآرابُ السَّبعةُ مَساجِدُ قال الله تَعالى: {وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ}⁣(⁣٦) وقيل: هي مَوَاضِعُ السُّجودِ


(١) اللسان: بالأرض.

(٢) زيادة عن القاموس والتهذيب والصحاح.

(٣) اللسان: أبو عبيد.

(٤) في الصحاح: وإمراض الأجفان.

(٥) المطبوعة الكويتية: «عينك» خطأ.

(٦) سورة الجن الآية ١٨.