تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[الباء]:

صفحة 376 - الجزء 20

  وإيَّايَا ويَايَا ويَايَهْ: كُلُّ ذلكَ زَجْرٌ للإِبِلِ؛ واقْتَصَرَ الجَوْهرِي على الأُولى، وقد أَيَّا بِها؛ وأَنْشَدَ لذي الرُّمّة:

  إذا قالَ حادِيهِمْ أيَايَا اتَّقَيْتُه ... بميل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ⁣(⁣١)

  قال ابنُ برِّي: والمَشْهورُ في البَيْتِ:

  إذا قال حادِينا أيا عَجَسَتْ بِنا ... خِفافُ الخُطَا، الخ

  ثم إنَّ ذِكْرَه يَايَهْ هنا كأنَّه اسْتِطْرادٌ، وإلَّا فمَوْضِع ذِكْرِه الهاء، وتقدَّمَ هناك يَهْ يَهْ ويَايَهْ وقد يَهْيَه بها، فتأَمَّل.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  وقد تكونُ إيَّا للتّحْذيرِ، تقولُ: إيَّاكَ والأَسَدَ، وهو بدلٌ مِن فِعْلٍ كأنَّك قُلْتَ باعِدْ؛ ويقالُ هَيَّاكَ بالهاءِ، وأَنْشَدَ الأخْفَش لمضَرِّسٍ:

  فهِيَّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ

  وقد تقدَّم.

  وتقولُ: إيَّاكَ وأنْ تَفْعَلَ كذا، ولا تَقُلْ إيَّاكَ أنْ تَفْعَلَ، بِلا واوٍ؛ وكذا في الصِّحاح.

  وقال ابنُ كَيْسان: إذا قُلْتَ إيَّاك وزَيْداً، فأنْتَ مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبُه مِن زَيْدٍ، والفِعْلُ الناصِبُ لا يَظْهَرُ، والمَعْنى أُحَذِّرُكَ زَيْداً، كأنَّه قالَ أُحَذِّرُكَ إيَّاكَ وَزَيْداً، فإيَّاكَ مُحَذِّر كأنَّه قالَ باعِدْ نَفْسَك عن زَيْدٍ باعِدْ زيْداً عنْك، فقد صارَ الفِعْلُ عامِلاً في المُحَذَّرِ منه، انتَهَى.

  وقد تحذفُ الواوُ كما في قولِ الشاعرِ:

  فإيَّاك إيَّاكَ المِراءَ فإنّه ... إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشَّرِّ جالِبُ⁣(⁣٢)

  يريدُ إيَّاكَ والمِراءَ، فحذَفَ الواوَ لأنَّه بتأْوِيلِ إيَّاك وأَنْ تُمارِيَ، فاسْتَحْسَن حذْفَها مع المِراءِ. وقال الشَّريشي عنْدَ قولِ الحَرِيرِي فإذا هو إِيَّاه ما نَصّه: اسْتَعْمل إيَّاهُ وهو ضَمِيرٌ مَنْصوبٌ في مَوْضِع الرَّفْعِ.

  وهو غَيْرُ جائِزٍ عنْدَ سيبويه، وجَوَّزَه الكِسائي في مسأَلَةٍ مَشْهورةٍ جَرَتْ بَيْنهما، وقد بَيَّنها الفنجديهي في شرْحِه على المَقامَاتِ عن شيْخةِ ابنِ برِّي بما لا مَزِيدَ عليه فراجِعْه في الشرْحِ المذكورِ.

  [الباء]: الباءُ: حَرْفُ هِجاءٍ مِن حُروفِ المُعْجم ومُخْرجُها مِنَ انْطِباقِ الشَّفَتَيْن قُرْبَ مَخْرج الفاءِ تُمَدُّ وتُقْصر، وتُسَمَّى حَرْف جَرٍّ لكَوْنِها مِن حُروفِ الإضافَةِ، لأنَّ وضْعَها على أن تُضِيفَ مَعانِيَ الأفْعالِ إلى الأسْماء.

  ومَعانِيها مُخْتلفَةٌ وأَكْثَر ما تَرِدُ.

  للإلْصاقِ لمَا ذُكِر قَبْلها مِن اسمٍ أو فِعْلٍ بما انْضَمَّت إليهِ.

  قالَ الجَوْهرِي: هي مِن عوامِلِ الجرِّ وتَخْتصُّ بالدُّخولِ على الأسْماءِ، وهي لإلْصاقِ الفِعْلِ بالمَفْعولِ به إمَّا حَقِيقيًّا كقولك: أَمْسَكْتُ بزَيْدٍ؛ وإمَّا مَجازِيًّا نحو: مَرَرْتُ به، كأنَّك أَلْصَقْتَ المُرورَ به؛ كما في الصِّحاحِ.

  وقالَ غيرُهُ: التَصَقَ مُرورِي بمَكانٍ يقرب منه ذلكَ الرَّجُل.

  وفي اللّبابِ: الباءُ للإلْصاقِ إمَّا مُكَمِّلة للفِعْل نحو مَرَرْتُ بزَيْدٍ وبه دعاءٌ، ومنه: أَقْسَمْت بالله وبحيَاتِكَ قسماً واسْتِعْطافاً، ولا يكونُ مُسْتقرّاً إلَّا أنْ يكونَ الكَلامُ خَبَراً، انتَهَى.

  ودَخَلَتِ الباءُ في قولِه تعالى: {أَشْرَكُوا بِاللهِ}⁣(⁣٣) لأنَّ مَعْنى أَشْرَكَ بالله قَرَنَ به غيره⁣(⁣٤)، وفيه إضْمارٌ. والباءُ للإلْصاقِ والقِرانِ، ومَعْنى قولهم: وَكَّلْت بفلانٍ، قَرَنْتُ به وَكِيلاً.

  وللتَّعْدِيَةِ نحو قولهِ تعالى: ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ⁣(⁣٥) {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ}⁣(⁣٦)، أَي جعلَ


(١) هذه رواية الصحاح واللسان وفيهما «بمثل» بدل «بميل»، ورواية الديوان ص ٤٢٧ الآتية بعد، وهي في اللسان أيضاً والتكملة.

(٢) اللسان.

(٣) سورة آل عمران، الآية ١٥١ وفيها «بما أشركوا».

(٤) عن التهذيب وبالأصل «غيرا».

(٥) سورة البقرة، الآية ١٧.

(٦) سورة البقرة، الآية ٢٠.