تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[ترمذ]:

صفحة 352 - الجزء 5

  وأَنها كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّة، ولو قال: تَخِذَ، كعلِمَ، لكان أَخْصَرَ وأَدَلَّ على المُرَاد، بِمعْنَى أَخَذَ، تَخَذاً، مُحَرَّكَةً، وتَخْذاً، الأَخيرة عن كُراعَ وقُرِئَ: لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً⁣(⁣١) بكسر الخاء ولَاتَّخَذْتَ، قال الفرَّاءُ: قَرَأَ مُجَاهِدٌ لَتَخِذْتَ، قال أَبو منصور: وصَحَّت هذه القَرَاءَةُ عن ابنِ عبَّاس، وبها قرأَ أَبو عَمْرِو بنُ العلاء، وقال أَبو زَيْدٍ، وكذلك هو، مكْتُوبٌ في الإِمَام⁣(⁣٢)، وبه يَقْرَأُ القُرَّاءُ، ومن قَرأَ: {لَاتَّخَذْتَ}، بالأَلف وفتح الخاءِ فإِنه يُخَالِف الكِتَاب، وهو أَي اتَّخَذَ افْتَعَلَ مِنْ تَخِذَ، فأُدْغِم إِحدَى التاءَيْنِ في الأُخْرَى، وهما التاءُ الأَصْلِيُّ وتاءُ الافتِعَالِ، قال المُصنّف في البصائر: وهذا قولٌ حَسَنٌ، ودَلِيله ما قاله ابنُ الأَثيرِ في شَرْحِ جامِع الأُصول، ولم يَتَعَرَّض له في النِّهاية، ما نَصُّه: ولَيْسَ من الأَخْذِ في شَيْءٍ، فإِن الافتِعَالَ مِن الأُخْذِ ائْتَخَذَ. بهمزتينِ على قِيَاس ائْتَمَرَ وائْتَمَنَ، لأَنَّ فَاءَه هَمْزَةٌ، والهَمْزَةُ لا تُدْغَم في التاءِ، خلافاً لقولِ الجَوْهَرِيِّ، وهو ما نَصَّه: الاتِّخَاذُ افْتِعَال من الأَخْذِ إِلَّا أَنّه أُدْغِمَ بعد تَلْيِينِ الهمزةِ وإِبْدَالِ الياءِ تاءً، ثم لمَّا كَثُرَ استعمالُه بِلَفْظِ الافتعالِ تَوَهَّمُوا أَصالَة التاءِ. فَبَنَوْا منه فَعِلَ يَفْعَلُ. قالُوا تَخِذَ يَتْخَذُ، قال ابنُ الأَثِير: وأَهْلُ العربِيَّةِ على خِلافِه أَي خِلافِ ما قاله الجوهرِيُّ، وهذه العبارَةُ هكذا في نُسْختنا، وفي غيرِهَا كذلك، ويوجد في بعْضِ النُّسخ هكذا: وهو افْتَعَل مِنْ تَخِذَ فأَدْغَم إِحدى التاءَين في الأُخرى وليس هو أَخَذ، لأَن الافتعال منه ائْتَخَذ، لأَن فاءَه همزة، وهي لا تدغم في التاءِ. ابنُ الأَثير: وهذا ما عَليه أَهلُ العَرَبِيَّةِ خِلافاً لما قاله الجوهَرِيُّ، وهي قَريبةٌ من الأُولى، قال شيخُنا: وابنُ الأَثير ليس مِمَّن يُرَدُّ به كَلَامُ الجوهريِّ، بل وأَكْثَرُ أَئمَّةِ اللُّغة، بل كَلامُه حُجَّةٌ عليهم، لأَنه أَعْرف، ودَعْوَى تَلْيِينِ الهمزةِ كما اختاره هو وغَيْرُه أَوْلَى وأَصْوَبُ من مادَّةٍ غيرِ ثابتةٍ في الدَّواوينِ المَشْهُورةِ، وأَنكَرَها الزَّجَّاجِيُّ بالكُلِّيّة، وإِن أَثبتَها أَبو عليٍّ الفارِسيُّ، واستدلَّ بقراءَةِ تَخِذْتَ مُخَفَّفاً، وغير ذلك، فقد نَازعوه، وكلامٌ ابنِ مالكٍ صَرِيحٌ في أَنَّ مِثلَه شاذٌّ، وأَثبتوا منه: اتَّزَرَ من الإِزار، واتَّمَن من الأَمن، واتَّهَل من الأَهْلِ، وغير ذلك مما هو مبسوط في شروح التسهيل، وأَشار إِليه ابنُ أُمِّ قاسمٍ في شرح الخُلاصة، ثم قال: وبعْدَ صِحَّةِ ثُبوتهِ وتَسليمِ دَعْوَى أَبي عَلِيٍّ الفارِسيّ وَحْدَه وقَبُولِ اسْتِدْلالِه بالآيةِ. وقَوْل الشاعِر:

  وقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا ... نَسِيفاً كَأُفحُوصِ القَطَاةِ المُطَوِّقِ⁣(⁣٣)

  فَلا يَلْزَم الجوهَرِيَّ وَمَنْ وافقه اتِّبَاعُه، بل يَجْرِي على قاعِدَته التي حَرَّرَهَا من التَّلْيِينِ، بل صَرَّحُوا بأَنَّه وارِدٌ في هذا اللفظِ نفسِه، كاتَّزَرَ وما ذُكِرَ معه، وإِن كان شاذًّا، فلا يَقدَح ذلك في ثُبُوتهِ واستعماله، والله أَعلم، ثم قال شَيْخُنَا نقلاً عن بعضِ حواشِيه: أَصْلُ اتَّخذَ بهمزتَيْنِ⁣(⁣٤)، فأُبدِلت الهَمْزةُ الثانيةُ تاءً، كما قالوا في ائْتمن وائْتزر، والقياس إِبدالُها ياءً، وورد هذا مع أَلفاظٍ شُذُوذاً، وقيل: أُبدِلَتْ واواً ثم تاءً، على القياس، وقيل: الأَصل اوْتَخَذ، أُبدِلت الواوُ تاءً، على اللغَةِ الفُصْحَى، لأَن فيه لُغَةً قَلِيلَةً أَنه يقال: وَخَذَ، بالوَاو، كما حكاه ابنُ أَمِّ قاسمٍ وغيرُه تَبعاً لأَبي حَيَّان، وقد أَغفَلَه صاحِبُ القامُوس، مع أَنه وَاردٌ مذكورٌ مشهورٌ أَعْرَفُ من تَخِذَ، انتهى.

  [ترمذ]: تِرْمِذُ كإِثْمِد، قال شيخنا: الأَوْلَى التمثيلُ بِزِبْرِج، لأَن التاءَ أَصليّةٌ، ولذلك ذُكِرَتْ في بابها: ة بِبُخارَى، وإِنما يعَبَّر بالقَرْية عن صِغَار البلاد، وتِرْمذُ مدينةٌ عظيمة واسعة بخُراسانَ، وقال ابنُ الأَثير: بَبلْخ، على طَرَف جَيْحُونَ، قال ابنُ السَّمْعَانيّ في الأَنساب: وأَهْلُ المَعرِفَة يَضُمُّون التاءَ والميمَ، وهكذا قاله ابنُ الأَثير، والمُتَدَاولُ عَلى لسان أَهْلِها فَتْحُ التاءِ وكَسْرُ الميمِ، قال ابنُ الأَثير: ولكُلٍّ مَعْنًى وبَعْضُهم يَفْتَح التاءَ وبعضُهم يَضُمُّها، وبعضهم يَكْسِرُهَا، ولا يَخْفَى أَنه لو قال: مثلّث الأَول والثالث لكان أَخصرَ، وفيها لغةٌ رابعة، فتْح الأَول وكسْر الثالث، وخامسة فتح الأَوّل وضمّ الثالث، ولم يَذكر من نُسبَ إِليها كما هو عادته، مع أَنهُ آكَدُ، منها الإِمام أَبو عيسى محمّد بن عيسى بن سَوْرَةَ بن موسى بن الضّحَّاك السُّلَميّ الضرير الحافظ، صاحب كتَاب الجامِع، تَلْمَذَ للبخاريّ، وشاركه في شيوخ،


(١) سورة الكهف الآية ٧٧.

(٢) الإمام: مصحف عثمان ¥.

(٣) نسب للمزق العبدي في اللسان (نسف).

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: أصل اتخذ بهمزتين لعله أصل اتخذ ائتخذ بهمزتين.