[إلا]:
  قد كانَ جَدُّكَ عِصْمةَ العَرَبِ الأُلَى ... فاليَوْمَ أَنْتَ لَهُمْ مِن الأَجْذام(١)
  قال: قالَ ابنُ الشَّجري: قولهُ الأُلى يَحْتَمِل وَجْهَيْن: أَحَدُهما أَن يكونَ اسْماً ناقِصاً بمعْنَى الذين، أَرادَ الأُلَى سَلَفُوا فحذَفَ الصِّلَةَ للعِلْم بها.
  [إلّا]: إلَّا، بالكسْرِ والتَّشْديدِ: للإسْتِثْناءِ، وتكونُ حَرْفَ جَزاءٍ أَصْلُها إنْ لا، وهُما معاً لا يُمالانِ لأنَّهما مِن الأدواتِ حَقًّا.
  قالَ الجَوْهرِي: يُسْتَثْنى بها على خَمْسِةِ أَوجُهٍ: بعْدَ الإيجابِ، وبعْدَ النَّفْي، والمُفَرَّغ، والمُقَدَّمِ، والمُنْقَطِع، فتكونُ في الاسْتِثْناءِ المُنْقَطِع بمعْنى لكن لأنَّ المُسْتَثْنَى مِن غَيْر جِنْسِ المُسْتَثْنَى منه، انتَهَى.
  فمثالُ الإيجابِ: قوله تعالى: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلّا قَلِيلاً(٢)، ونَصْبُ ما بعْدَها بها. قال شيْخُنا: نَصْبُ المُسْتَثْنى بإلّا هو الأصَحّ مِن أقْوالٍ ثمانِيَةٍ كما في التّسْهيلِ وشُرُوحِه.
  ومِثالُ النَّفْي: قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ(٣)، ورَفْعُ ما بعْدَها على أَنَّه بَدَلُ بَعْضٍ؛ ففي هذه الآيةِ وقعَ في كَلامٍ غَيْر مُوجَب، والتَّقْديرُ إلَّا ناسٌ قَليلٌ، أَي إلَّا ناساً قليلاً، فإلَّا حَرْفُ الاسْتِثْناء، وقَليلٌ بَدَلٌ، والمُبْدَلُ منه هو الواو، ولو كانَ في كَلامٍ مُوجَب لم يَجزِ البَدَل لفَسادِ المَعْنى، وإنَّما يختارُ البَدَل لعَدَمِ فَسَادِ المَعْنى حينَئِذٍ، وإذا جعلَ بدلاً كانَ إعْرابه كإعْرابِ المُبْدَل فلا يحتاجُ إلى تَكَلّفٍ، وإذا كانَ مُسْتَثْنى كانَ مَنْصوباً فيحتاجُ إلى تَكَلّف، وهو تَشْبِيههٌ بالمَفْعولِ به مِن حيثُ أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما فُضْلَةٌ واقِعةٌ بعْدَ كَلامٍ تامٍّ، ثم إنَّ غيرَ المُوجبِ قد يكونُ اسْتِفْهاماً ونَهْياً، وهذا الاسْتِفْهام يلزمُ أن يكونَ على سَبِيلِ الإنْكارِ مِثالُه قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ}(٤)؛ ومِثالُ النَّهْي: لا يَقُمْ أَحَد إلَّا أَحَد؛ قالَهُ الرِّضِيُّ.
  وتكونُ إلَّا صِفَةً بمنْزِلَةِ غَيْر فيُوصَفُ بها وبتاليها أَو بهما، جَمْعٌ مُنْكَرٌ أَو شِبْهُه. اعْلَم أنَّ أَصْلَ إلَّا أَنْ يكونَ للإسْتِثْناء، وأَصْلَ غَيْر أنْ يكونَ صفَةً تابعَةً لمَا قَبْله في الإعْراب، وقد يَجْعلُونَ إلَّا صِفَة حملاً على غَيْر إذا امْتَنَعَ الإسْتِثْناء، وذلكَ إذا كانتْ إلَّا تابعَةً لجَمْعٍ مَنْكورٍ غَيْر مَحْصُورٍ، نحو قولهِ تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا(٥)، فقَوْلُه إِلَّا تابِعَة لقَوْلهِ آلِهَةٌ، وقوْلُه: {إِلَّا اللهُ} صفَةٌ لقوْلهِ {آلِهَةٌ}، تَقْديرُ لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ غَيْر الله لَفَسَدَتَا، لأنَّ الجَمْعَ المَنْكور غَيْرُ مَحْصُورٍ يُحْتَمل أن يَتناوَلَ ثلاثَةً فقط، ولم يكن المُسْتَثْنَى مِن جُمْلةِ الثَّلاثةِ حينَئِذٍ لعَدَمِ إفادَتِه التَّعْمِيم والاسْتِغْراق، ولأنَّه لو جُعِلت إلَّا للإسْتِثْناء لكانَ الله مُسْتَثْنى داخلاً في المُسْتَثْنى منه وهو آلِهَة، فخَرَجَا منها بإلَّا، فيَلْزمُ وُجُود الآلِهَة وهو كُفْرٌ، فإذا امْتَنَعَ الاسْتِثْناءُ جُعِلَت إلَّا للصِّفَة كغَيْر، كما جُعِل غَيْر للاسْتِثْناءِ، حملاً على إلَّا. وكذا في قولهِ، أَي الشَّاعر، وهو ذُو الرُّمّة، وهو مِثالٌ للجَمْع شبه المنكر:
  أُنِيخَتْ فأَلْقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ ... قَليلٌ بها الأصْواتُ إلَّا بُغامُها(٦)
  فإنَّ تَعْريفَ الأصْواتِ تَعْريفُ الجنْسِ، كما مَرَّ ذلكَ للمصنِّفِ في «ا ل ل».
  وقال الجَوْهرِي: وقد يُوصَفُ بإلَّا، فإنْ وَصَفْت بها جَعَلْتها وما بعْدَها في مَوْضِع غَيْر وأتْبَعْتَ الاسْمَ بعْدَها ما قَبْلَه في الإعْرابِ فقُلْتَ: جاءَني القَوْمُ إلَّا زيْدٌ، كقوله تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا}؛ وقالَ عَمْرُو ابنُ مَعْدِيكرب:
  وكلُّ أَخٍ مفارِقَة أَخُوه ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إلَّا الفَرْقدانِ(٧)
(١) اللسان.
(٢) سورة البقرة، الآية ٢٤٩.
(٣) سورة النساء، الآية ٦٦.
(٤) سورة آل عمران، الآية ١٣٥.
(٥) سورة الأنبياء، الآية ٢٢.
(٦) ديوانه ص ٦٣٨، والبيت من شواهد القاموس، والشاهد ١١٢ في مغني اللبيب ذكره مثالاً على المعرف الشبيه بالمنكر.
(٧) الصحاح واللسان وبدون نسبة في التهذيب ومغني اللبيب الشاهد ١١٤ والتكملة قال الصاغاني: وهكذا أنشده سيبويه (الكتاب ١/ ٣٧١) لعمرو، وليس له وإنما هو لحضرمي بن عامر بن مجمع بن مؤلة بن همام بن ضب بن كعب القين، وقبله:
وكل قرينة قرنت بأخرى ... وإن ضنت بها ستفرقان