تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حدأ]:

صفحة 134 - الجزء 1

  [حدأ]: الحِدَأَةُ كَعِنَبَةٍ: قال الجوهري والصاغاني: ولا تقل الحَدأَة بالفتح⁣(⁣١) طائرٌ م أَي معروف، وكُنيته أَبو الخُطَّاف وأَبو الصَّلْت، يصيد الجِرْذَانَ، وكَان من أَصْيَد الجوارِح، فانقطع عنه الصَّيْدُ لِدَعوة سيِّدنا سُليمانَ⁣(⁣٢)، عليه وعلى نَبِيِّنا السلام، ونقل أَبو حيان فيه الفَتْح عن العرب، ونقل شُرَّاح الفَصيح عن ابن الأَعرابي أَنه يقال: جَدَأَة وحَدَأ بالفتح فيهما، للفأْس وللطائر جميعاً، وحكاه ابنُ الأَنبارِيّ أَيضاً، وقال: الكسر في الطائر أَجود ج حِدَأٌ مثال حِبَرَة وحِبَرٍ وعِنَبَةٍ وعِنَبٍ، وهو بناءٌ نادرٌ، لأَن الأَغلب على هذا البناء لِجَمْعِ نَحْوِ قِرْدِ وقِرَدَة، إِلا أَنه قد جاءَ للواحد، وهو قَلِيل، حققه الجوهريُّ، وأَنشد الصاغاني للعجَّاج يَصِف الأَثَافِي:

  فخَفَّ والجَنَادِلُ الثُّوِيُّ ... كَمَا تَدَانَى الحِدَأُ الأُوِيُّ

  ويجمع على حِدَاءٌ ككتابٍ، قال ابن سيده: «وهو نادر»، وأَنشد لِكُثَيِّر عَزَّةَ:

  لَكَ الوَيْلُ مِنْ عَيْنَيْ خَبَيْبٍ وثَابِتٍ ... وحَمْزَةَ أَشْبَاهِ الحِدَاءِ التَّوَائِمِ

  وعلى حِدْآن، بالكَسْرِ أَورده ابنُ قتيبة، والحُدَّى كالعُزَّى، وسيأْتي في حدد، والحُدَيَّا كالثُّرَيَّا، وسيأْتي في المعتلّ، لغتان في هذا الطائر، قال أَبو حاتم: أَهل الحجاز يُخْطِئون فيقولون لهذا الطائر الحُدَيَّا⁣(⁣٣)، وهو خطأٌ.

  قلت: وقد جاءَ في حديث أَعرابِيَّة في قِصَّة الوِشاح، وهكذا قيَّده الأَصيلي. وجاءَ أَيضاً الحُدَيَّاة، بغير همزٍ، وفي بعض الروايات: الحُدَيِّئَة بالهمز، كأَنه تَصغيرٌ، ذكره الصاغاني في التكملة، قال: وصواب تصغيره حُدَيْئَة، وإِن أَلقيت حَركة الهمزة على الياء وشدَّدْتها قلتَ حُدَيَّة على مثال عُلَيَّة.

  قال الدَّمِيري⁣(⁣٤): وفي الحديث عن ابن عَبَّاسٍ «لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الحِدَوْ والإِفْعَوْ» ونقل عن الأَزهريّ أَنه قال: هي لغةٌ فيهما، وقال ابن السرّاج: بل هي على مذهب الوَقْف على⁣(⁣٥) هذه اللغة قَلْب الأَلف واواً، على لغة من قال حِدَا وأَفْعَى.

  والحِدَأَة بالكسر سَالِفَةُ عُنُقِ الفَرَسِ وهي ما تَقدَّم مِن عنقه، عن الأَصمعي وأَنشد:

  طَوِيلُ الحِدَاءِ سَلِيمُ الشَّظَى ... كَرِيمُ المِرَاحِ صَلِيبُ الخَرَبْ

  الخَرَب: الشَّعر المُقشعِرُّ في الخاصرة.

  والحَدَأَة بالتَّحْرِيك: الفأْسُ ذاتُ الرَّأْسَيْنِ وهو الأَفصح، كما أَن الكسر في الطائر أَفصح، وهذا على قول من قال إِن الكسر فيه لغة أَيضاً أَو هي رَأْسُ الفَأْس على التشبيه وهي أَيضاً نَصْلُ السَّهْمِ على التشبيه ج حَدَأٌ مثل قَصَبة وقَصَب، عن الأَصمعيِّ، وأَنشد للشَّمَّاخ يَصف إِبلاً حِدَاد الأَسنانِ:

  يُبَاكِرْنَ العِضاهَ بِمُقْنَعَاتٍ ... نَوَاجِذُهُنَّ كَالحَدَإِ الوَقِيعِ

  شبّه أَسنانها بِفُؤوس قد حُدِّدتْ، وحِدَاءٌ بالكسر ككتاب، ورواه أَبو عبيدٍ عن الأَصمعيّ وأَبي عُبيدة⁣(⁣٦)، وأَنشد بيت الشَّمّاخ بالكسر.

  قلت: وهذا على قول من لم يُفَرِّق بينهما، بل جعلهما واحداً وزعم الشرقيُّ بنُ القُطاميّ أَن حِدَاء وبُنْدُقَة قَبيلتَانِ وهما حِدَاءُ⁣(⁣٧) بنُ نَمرَةَ بن سَعْدِ العشيرة وبُنْدُقَةُ بن مَظَّهَ واسمه سُفْيان بن سَلْهَم بن الحَكَم بن سَعْدِ العَشيرة، الأُولى بالكوفة والثانية باليمن، أَغارت حِدَاء على بُنْدقة فنالت منهم، ثم أَغارتْ بُنْدقة عليهم فأَبادَتْهم، فكانت تُفَزّع بها ومنْهُ قولهم: حِدَأَ حِدَأَ وَرَاءَكَ بُنْدُقَةُ أَورده الميداني في مجمع


(١) في اللسان: الحِدَأة ولا يقال: حِداءة، والجمع حِدَأَ مكسور الأول مهموز، وحداء نادرة. والحَدَا مقصور شبه الفأس تنقر به الحجارة، وهو محدد الطرف.

(٢) وهي: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (سورة ص: ٣٥).

(٣) زيد في حياة الحيوان للدميري: على وزن الثريا.

(٤) عند الدميري: «وفي الحديث» وسقط عنده «عن ابن عباس» وفي اللسان: وروي عن ابن عباس.

(٥) عند الدميري: «لا على».

(٦) زيد في اللسان: أنهما قالا: يقال لها الحدأة بكسر الحاء على مثال عنبة، وجمعها حَدَأُ.

(٧) اللسان: حِدَأ. وفي جمهرة ابن حزم: الحِدَأ. وانظر الاشتقاق ص ٤٠٩.