تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نشك]:

صفحة 659 - الجزء 13

  النَّسْكِ وقُرِئ بهما قَوْلُه تعَالى: {جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ}⁣(⁣١) قَرَأَ الكُوفِيُّون غَيْر عاصِمِ مَنْسِكاً بكسرِ السِّينِ والبَاقُون بفتْحِها. وقَوْلُه تعَالَى: {وَأَرِنا مَناسِكَنا}⁣(⁣٢) أي عَرِّفْنَا مُتَعَبَّداتِنا. وقال الفرَّاءُ: أَصْلُ المَنْسَك في كلامِ العربِ الموضِعُ المُعْتاد الذي تَعْتادُه. ويقالُ: إنَّ لفلانٍ مَنْسِكاً يَعْتادُه في خَيْرٍ كان أو غَيْرِه، ثم سُمِّيَتْ أُمُورُ الحَجِّ مَنَاسِك قالَ ذُو الرِّمَّةِ:

  وربّ القلاص الخُوص تَدْمى أُنُوفُها ... بنخلةَ والساعينَ حولَ المناسِكِ⁣(⁣٣)

  وقيلَ: المَنْسَكُ: كمَقْعَدٍ نَفْسُ النُّسُكِ وكمَجْلِسٍ موضِعٌ تُذْبَحُ فيه النَّسكيَةُ ومنه قَوْلُهم: متَى مَنْسِكُ الحاجِّ.

  وقال الزَّجَّاجُ في تفْسيرِ قَوْلِه تعَالى: في هذا الموضعِ يدل على مَعْنَى النَّحْرِ كأَنَّه قالَ: جَعَلْنا لكلِّ أُمَّةٍ أَنْ تَتَقَرَّب بأَنْ تذْبحَ الذَّبائحَ للهِ، فمن قالَ مَنْسِك فمعْنَاه مكان نَسْك مِثْل مَجْلِس مَكانُ جُلُوسٍ. ومن قالَ مَنْسَك فمعْناه المَصْدر نحو النُّسُك والنُّسُوك. وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: قد تَكَرَّرَ ذِكْر المنَاسِك والنُّسُك والنَّسِيْكة في الحدِيثِ، فالمنَاسِكُ جَمْع مَنْسَك بفتحِ السِّين وكسْرِها، وهو المُتَعَبَّد ويقعُ على المصدرِ والزَّمانِ والمكانِ ثم سُمِّيَت أُمورُ الحجِّ كلُّها مَنَاسِك. ومن المجازِ: نَسَكَ الثَّوْبَ أو غيرَهُ غَسَلَهُ بالماءِ فطَهَّرَهُ فهو مَنْسُوكٌ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُه من بعضِ أَهْلِ العلمِ، قالَ نَهْشَلُ بن جري:

  ولا تنبت المَرْعَى سِباخُ عُراعِرٍ ... ولو نُسِكَتْ بالماءِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ⁣(⁣٤)

  وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: نَسَكَ السَّبَخَةَ نسْكاً طَيَّبَها وقالَ النَّضْرُ: نَسَكَ إلى طَريقةٍ جَميلَةٍ أي داوَمَ عليها ويَنْسُكون البيتَ: أي يَأْتُونه. ومن المجازِ: أرضٌ ناسِكَةٌ أي خَضْراءُ حديثَةُ المَطَرِ فاعِلَة بمعْنَى مَفْعُولة. والنَّسِيْكُ: كأَميرِ الذَّهَبُ والفِضَّةُ عن ثَعْلب. وقال ابنُ الأَعْرَابيِّ: النَّسِيكَةُ كسفينَةٍ القِطْعَةُ الغَلِيظَةُ منه الصَّوابُ منها أي من الفِضَّةِ كما هو نصُ ابنِ الأَعْرَابيِّ، والجَمْعُ نُسُكٌ بضمَّتَيْن. والنُّسَكُ: كصُرَدٍ طائِرٌ عن كراعٍ. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ⁣(⁣٥): فَرَسٌ مَنْسُوكَةٌ أي مَلْساءُ جَرْداءُ من الشَّعَرِ. وقالَ غيرُه: هي أرْضٌ مَنْسُوكَةٌ دُمِنَتْ بالأَبْعارِ ونحوها. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: مُسَمَّدَةٌ وهو مجازٌ. والنَّسْكُ بالفتحِ المَكانُ المَأْلوفُ في خيرٍ كان أو غيرهِ، كالمَنْسَكِ كمِقْعَدٍ وهذه عن الفرَّاءِ وقَدْ تَقَدَّمَ.

  * وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:

  النَّاسِكُ: العابِدُ. قال ثَعْلَب: هو مأْخوذٌ من النَّسِيْكَةِ وهي سَبيكَةُ الفِضَّةِ المُخَلَّصَةِ من الخَبَثِ كأَنَّه خَلَّص نَفَسَه وصَفّاها لله ø والجَمْعُ نُسَّاكٌ. ونَسَكَ البيتَ: أَتَاهُ.

  [والمنْسَكُ]: كمَقْعَدٍ وَقْتُ النُّسُك. والنُّسُوكُ بالضمِ العِبَادةُ. وقالَ ابنُ الأَنْبَارِي: رَجُلٌ مَنْسَكةٌ: كَثِيرُ النّسْك.

  وعُشبٌ ناسِكٌ: شدِيدُ الخُضْرَةِ وهو مجازٌ. وانْتَسَكَ افْتَعَلَ من النُّسْكِ قال رُؤْبَةُ:

  وارع تُقَى الله بنُسْكٍ مُنْتَسك

  والمنسكة قَرْيةٌ باليَمَنِ ومنها الشيخُ أَبُو عَبْدِ اللهِ المنسكيّ أَحَدُ المَشْهُورين في الحالِ والقالِ وله بها ذُرِّيَّةٌ.

  [نشك]: النَّشَّاكُ كشَدَّادٍ أَهْمَلَه الجماعَةُ. وهو جَدُّ خالِدِ بنِ المُبَارَكِ المُحَدِّثُ سَمِعَ أَبَا مَنْصورِ بنِ خَيْرُون.

  قُلْتُ: الصَّوابُ في هذا النَّشَّال باللامِ في آخرِه كما ضَبَطَه الحافِظُ⁣(⁣٦) وابنُ السَّمْعانيّ وابنُ الأَثِيْر، وقد أَخْطَأ المُصَنِّفُ هنا واشْتَبَه عليه فتَنَبَّه لذلك ولا تَغْتَرَّ به وسَيَأْتي ذِكْرُه في ن ش ل إنْ شاءَ الله تعالى.

  [نطك]: أَنْطاكِيَةُ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ. وقالَ أَبُو عَمْرٍو في ياقُوتة الجَلْعَم: هي بالفتح والكسر زَادَ غيرُه: وسكونِ النونِ وكسر الكافِ وفتح الياءِ المُخَفَّفَةِ. وقالَ ابنُ الجَوْزِي في تَقْويمِ اللِّسَانِ. لا يجوزُ تَخْفِيف أَنْطاكِيَة وهي مشدَّدَة أَبداً، كما لا يجوزُ تَشْدِيدَ القسْطَنْطِيْنية، وعَدَّ ذلك من أَغْلاطِ العَوَام.

  قُلْتُ: وقد جاءَ في قولِ زُهَيْر وامْرِئ القَيْس بالتَّشْديدِ، وقد أَجَابَ عنه ياقوتُ في مُعْجمه فراجِعْه⁣(⁣٧). وقالَ الأَزْهَرِيُّ


(١) سورة الحج الآية ٦٧.

(٢) سورة البقرة الآية ١٢٨.

(٣) معجم البلدان «نخلة» من ثلاثة أبيات.

(٤) الصحاح واللسان.

(٥) الجمهرة ٣/ ٤٧ ونص عبارتها: «وفرس مكنوسة وهي الملساء الجرداء من الشعر، زعموا، وليس بثبت» والمثبت كالتكملة عن ابن دريد.

(٦) انظر التبصير ٢/ ٧١٤.

(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قال ياقوت: وليس في قول زهير: -