تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أما]:

صفحة 373 - الجزء 20

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  [أما]: أَما بالتَّخْفيفِ مِن حُروف التَّنْبِيه ولا تَدْخُل إِلَّا على الجُمْلةِ كألا. تقولُ أَما إنَّك خارِجٌ؛ ومنه قولُ الشاعرِ:

  أَما والذي أَبْكَى وأضْحَكَ والذي ... أَماتَ وأَحْيَى والذي أَمْره الأَمْرُ

  لقد تَرَكْتني أَحْسِد الوحش أنْ أَرَى ... أليفَيْنِ منها لا يروعُهما الذّعْرُ⁣(⁣١)

  وقد تبدلُ الهَمْزة هاءً وعَيْناً فيُقالُ: هما والله وعما والله.

  وأَمَّا، بالتّشْديدِ⁣(⁣٢): وقد تقدَّمَ الكَلامُ عليهما في حرفِ المِيم.

  [أَنَّى]: أَنَّى، كحَتَّى: تكونُ بمعْنَى أيْنَ، تقولُ: أنَّى لكَ هذا، أَي مِن أَيْنَ لكَ هذا؛ ومنه قوله تعالى: {أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}⁣(⁣٣)؛ وقوله تعالى: {يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا}⁣(⁣٤)؛ وقد جَمَعَهُما الشاعرُ تأكيداً فقال:

  أنّى ومِن أَيْنَ آتكَ الطَّرَبُ

  وبمعْنَى مَتَى، ومنه قوله تعالى: {قُلْتُمْ أَنّى}⁣(⁣٥) {هذا}، أَي مَتَى هذا؛ نقلَهُ الأزْهري.

  وبمعْنَى كَيْفَ، تقولُ: أَنَّى لكَ أَنْ تَفْتَحَ الحِصْنَ، أَي كيْفَ لكَ ذلكَ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.

  وقال اللّيْثُ في قولِ عَلْقمة:

  ومُطْعَمُ الغُنْمِ يَوْمَ الغُنْمِ مُطْعَمُهُ ... أَنَّى تَوَجَّه والمَحْرُومُ مَحْرومُ⁣(⁣٦)

  أَرادَ أَيْنَما تَوَجَّه وكَيْفَما تَوَجَّه.

  قال الجَوْهرِي: وَهي مِن الظُّروفِ التي يُجازَى بها، تقولُ: أَنَّى تأْتِنِي آتِكَ، مَعْناه مِنْ أَيِّ جهَةٍ تأْتِنِي آتِكَ.

  وقال ابنُ الأنْبارِي: قرأَ بعضُهم أَنَّى صَبَبْنا الماءَ صَبّاً⁣(⁣٧) بفَتْحِ الهَمْزةِ، قالَ: مَنْ قَرأَ بهذه القراءَةِ قالَ الوَقْف على {طَعامِهِ} تامٌّ، ومعْنَى أنَّى أيْنَ إلَّا أَنَّ فيها كِنايَة عن الوُجُوهِ وتأْوِيلُها: مِن أَيّ وَجْه صَبَبْنا الماءَ.

  وقولهُ تعالى: {أَنّى شِئْتُمْ}⁣(⁣٨) يحتملُ المَعانيَ الثَّلاثَةَ.

  وأَمَّا أَنا: فقد ذَكَرْناه في بابِ النُّونِ، مَرَّتْ أَحْكامُه مُفَصَّلة، فراجِعْه.

  [أَيَا]: أَيَا، بالفتح والتَّخْفيفِ: حَرْفٌ لنِداءِ البَعِيدِ لا القَريبِ؛ ووَهِمَ الجَوْهرِي، لم أرَه في الصِّحاح فليُنْظَر ذلكَ؛ وتُبْدَلُ هَمْزَتُه هاءً فيقالُ: هَيَا، وقد تقدَّمَ في موضِعِه.

  قال ابنُ الحاجِبِ في الكفايةِ في بيانِ حُروفِ النِّداءِ ما نَصّه يا أَعَمّ الحُرُوفِ تُسْتَعْمل في القَرِيبِ والبَعِيدِ والمُتَوسِط، وَيَا وهَيَا للبَعِيدِ، وأي والهَمْزةُ للقَرِيبِ.

  وقال الفخْرُ الجاربردي مُوافِقاً لصاحِبِ المُفَصّل: أنَّ أَيَا وهَيَا للبَعِيدِ، أَو مَنْ هو بمنْزِلَتِه من نائِمٍ وسَاهٍ، وإذا نُودِي بهذه الحُروفِ الثَّلاثةِ من عَدا البَعِيد والنَّائِم والسَّاهِي فلحرْصِ المُنادَى على إقْبالِ المَدْعوِّ عليه.

  وإيًّا، بالكسر مع تشْديدِ الياءِ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِي؛ والفَتْح، رَواهُ قُطْرب عن بعضِهم ومنه قَراءَةُ الفَضْل الرّقاشي: أَياكَ نَعْبُدُ وأَياكَ نَسْتَعِين بفَتْح الهَمْزتَيْن نقلَهُ الصَّاغاني؛ زادَ قُطْرب ثم تُبَدْلُ الهَمْزةُ هاءً مَفْتوحةً أَيْضاً فيقولون هَيَّاكَ.

  قال الجَوْهري: اسْمٌ مُبْهَمٌ تَتَّصِلُ به جَميعُ المُضْمَراتِ المُتَّصِلَةِ التي للنَّصْبِ، تقولُ: إيَّاكَ وإيَّاهُ وإيَّايَ وإيَّانا، وجُعِلت الكافُ والهاءُ والياءُ والنونُ بَياناً عن المَقْصودِ


(١) البيتان لأبي صخر الهذلي، شرح أشعار الهذليين ٢/ ٩٥٧ وفي الثاني «أغبط الوحش» بدل «أحسد الوحش».

(٢) انظر في «أما» و «أمّا» مغني اللبيب ط دار الفكر بيروت ص ٧٨ - ٧٩.

(٣) سورة سبأ، الآية ٥٢.

(٤) سورة آل عمران، الآية ٣٧.

(٥) سورة آل عمران، الآية ١٦٥.

(٦) المفضلية ١٢٠ البيت ٣٥ واللسان.

(٧) سورة عبس، الآية ٢٥.

(٨) سورة البقرة، الآية ٢٢٣.